الاثنين، 27 أبريل 2009

الامتثال للواجب كمعيار للخير




1/ الامتثال للواجب كمعيار للخير:

يرتبط الاستشكال الفلسفي للمسألة الأخلاقية بتحديد مرجع الفعل الأخلاقي. إن السؤال لا يتعلق،إذن، بالقيم الأخلاقية كما هي متحققة فعليا، ولا بالتساؤل عن إمكانات تحقيقها، وإنما يتعلق الأمر بقيمة هذه القيم أصلا والبحث في أساسها الذي يضفي عليها مشروعية ويربطها بالخير كقيمة عليا.
يمثل الخير قيمة عليا باعتباره مطلب كل سلوك أخلاقي؛ فما نرمي لتحقيقه والتماهي معه هو تحقيق الخير. فالخير هو ما يضفي معقولية على أفعالنا وسلوكياتنا الأخلاقية ويجعلها تكتسب دلالة ومعنى. على هذا الأساس لا يصدر الفعل الأخلاقي بصورة عفوية مباشرة وإنما في إطار الغاية والهدف الذي ينشده أي تحقيق الخير.
ترتبط خيرية الفعل بالأساس الذي يصدر عنه ويوجهه. يتحدد هذا الأساس في الواجب الأخلاقي . فم دلالة الواجب الأخلاقي؟ وما هو معياره؟
أ/العقل أصل الواجب الأخلاقي:كانط
الفعل الأخلاقي هو السلوك الذي تنطبق عليه أو توجهه منظومة أوامر ونواه، وبذلك فالفعل الأخلاقي لا يصدر بصورة تلقائية، وإنما نتيجة وازع أو باعث وهو ما نسميه بالواجب الأخلاقي، أي مرجع الفعل الأخلاقي. فما هو أصل الواجب الأخلاقي عند كانط؟
إن تقييم الفعل الأخلاقي، أي النظر في مدى أخلاقيته، لا يمكن أن يتم على أساس النظر في الأفعال الأخلاقية ذاتها بل يستوجب الأمر النظر في طبيعة الدوافع التي أنبنى على أساسها الفعل . ذلك أنه قد تصدر منا أفعالا خيرة، لكن دون أن يكون الخير ذاته هو غاية فعلنا، بل يكون الدافع هو البحث عن تحقيق غاية ما، قد تكون هي ذاتها غير أخلاقية:إن الفعل الخلقي حقيقة لا يمكن أن يكون معياره مجرد الانسجام مع القانون الأخلاقي؛ أي منظومة الأوامر والنواهي ذات الطابع الكلي، بل يجب أن تكون صادرة أصلا عن الفانون الأخلاقي ذاته، وهو ما يستوجب توفر الإرادة الخيرة في ذات الفاعل، أي أن تكون غاية الفعل الأخلاقي هي الخير ذاته وليس تحقيق مصلحة أو منفعة.
من هذا المنطلق ميز كانط بين صنفين من الأوامر:الأوامر الشرطية و الأوامر القطعية.
الأمر الشرطي هو الأمر الذي يربط الفعل بتحقيق غاية محددة، بحيث لا يطلب الفعل الأخلاقي لذاته وإنما لنتائجه وانعكاساته. الفعل الأخلاقي الشرطي هو الذي يفترض مسبقا النتيجة، كما يفترض الوسائل اللازمة لبلوغها. مثال لا تغش حتى تكسب ثقة الآخرين:الغش هنا ليس مرفوضا لذاته وإنما لتحقيق غاية هي كسب ثقة الآخرين. إن ما يجعل من الأمر الشرطي فعلا غير أخلاقي هو كونه يصدر عن مبدأ ذاتي لا يمكن تعميمه لأنه في حال القبول به كمبدأ كوني فسينشر بين البشر جميع أشكال الرياء والنفاق...
في المقابل الأمر القطعي هو أمر مطلق وكلي، يقر أن الفعل ضروري في ذاته فهو فعل يتسم بالديمومة وينتج عن تمثل للقوانين الأخلاقية الكلية والضرورية فما يوجهه هو فعل الخير كمبدأ وغاية.
هل من أخلاقية لفعل يحدث استجابة لأمر أخلاقي/قانون أخلاقي ؟هل يبقى للفعل قيمة حين يملى على الفرد؟ألا تتناقض طبيعة الأمر الأخلاقي القطعي مع مبدأ الحرية؟
إن الأوامر الأخلاقية القطعية والتي تتخذ صورة قانون أخلاقي تجد مصدرها في العقل، إذ لا يمكن استنتاجها من المعيش أو من التجربة. يعود هذا الفصل بين القانون الأخلاقي والتجربة إلى ما يمكن أن يطرأ على تجربتنا المعيشة من نسبية وتعدد واختلاف بما يجعل من الأحكام التي تستمد منها لا تفي بمقتضى الكلية والشمولية.
القانون الأخلاقي لا يمكن أن يستمد إلا من فاعلية العقل العملي باعتباره المشرع للقانون الأخلاقي. بذلك فان الذات التي تطيع القانون الأخلاقي إنما تطيع ذاتها لا احد خارج عنها باعتبار أن العقل في بعده العملي هو من شرع هذه القوانين. ليس هناك من تناقض بين طاعة عقلنا الخاص والخضوع للقوانين الأخلاقية. وعلاقتنا بهذه القوانين تكون مبنية على التزام ذاتي وليس إلزاما خارجيا. الحرية الحقيقية هي الحرية التي تقترن بهذا الالتزام بالقانون الأخلاقي.

ب/ الأصل الاجتماعي للواجب
يعتبر دوركايم أن المجتمع هو المصدر المطلق للقيم الأخلاقية ، بمعنى السلطة المشرعة لكل ما هو قيمي وما على الفرد إلا الالتزام بماهو اجتماعي. على هذا الأساس تكون الأخلاق إلزاما ناتج عما يفرضه المجتمع من قواعد سلوك.
ينبع هذا الإلزام عما استبطنه الفرد من قيم أخلاقية من مجتمعه عبر آلية التنشئة الاجتماعية بآلياتها المختلفة المتمثلة في العائلة والمدرسة...يتحدد المجتمع كمصدر للقيم الأخلاقية عند الفرد، إذ لا يمكن للأخلاق إلا أن تكون اجتماعية. على هذا الأساس يرفض دوركايم كل محاولة لتأسيس القيم الأخلاقية على "الطبيعة الإنسانية" أو العقل .... إن ما يثبت هذا التحديد حسب دوركايم هو تنوع واختلاف القيم الأخلاقية من مجتمع إلى آخر ومن ثقافة وأخرى، فلو كان مصدر القيم الأخلاقية مطلقا وثابتا كالعقل مثلا، لكانت القيم الأخلاقية واحدة ولكن الواقع يثبت أنها ليست كذلكيتجلى هذا الإلزام في في طبيعة الضمير الخلقي الذي هو صدى للضمير الجمعي. فحين يتكلم الضمير فينا فإنما هو صوت المجتمع داخلنا. بذلك تكون المعايير الأخلاقية نسبية ومختلفة من مجتمع لمجتمع آخر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا