الأحد، 26 أبريل 2009

التمهيد

إن ما يبرر الاهتمام الفلسفي بمسألة الأخلاق، هو هذا الرابط الوثيق الذي يشد المسألة الأخلاقية إلى الوجود الإنساني. يتجلى هذا الرابط في مستويين:
- إن القيم الأخلاقية هي التي يتجلى في إطارها إنسانية الإنسان وتميزه النوعي عن الوجود الحيواني، ذلك أن هذه القيم الأخلاقية تحديدا هي التي تسبغ دلالة ومعنى على وجوده. ما يميز الحياة الإنسانية إنها تقطع مع الغريزة والآلية لترتبط بالقصد والغاية المحددة سلفا، بذلك فان ما يكسب الحياة معنى حقيقيا هو ارتباطها بالقيم بحيث يكون لكل فعل وسلوك قيمة يكتسبها من مقصده وغايته.
- إن مقتضيات العيش المشترك و الوجود معا تستلزم التفكير في مسألة القيم الأخلاقية باعتبار أن هذا الوجود المشترك إنما يتأسس انطلاقا من وحدة المعايير الأخلاقية وانسجامها.
لا يأتي السؤال عن الأخلاق أولا ، بل يأتي دائما متأخرا؛ ذلك أن الإنسان العامي لا يسأل مطلقا عن الأخلاق ولا عن قيمه الأخلاقية: إنها بالنسبة له طبيعية. هي طبيعية بمعنى أن القيم الأخلاقية التي توجه سلوكه هي معطى بديهي فما يعيشه وما تعلمه على أساس كونه خير فهو خير بإطلاق وما تعلمه واكتسبه من قيم باعتبارها شر فهي شر بإطلاق. يتعلق مصدر هذا الإحساس بما نشأ عليه الفرد من قسم بفعل التنشئة الاجتماعية القائمة على التلقين والمؤسسة للتماثل مع الآخرين باعتبار أن هذا التماثل هو شرط حياة أخلاقية خيرة.
هذا الموقف العفوي والأولي لا يسأل عن القيم الأخلاقية فهي مسلمات بديهية. غير أن هذه الثقة المطلقة فيما ينشأ عنه الفرد من قيم، واعتاد من أحكام، سرعان ما ينهار حين يصطدم بمفارقات تخص قيمه لا يجد لها تبريرا داخل منظومة القيم الأخلاقية التي نشا عليها. تتزعزع هذه الثقة حين يصطدم بالتناقض بين ما تحمله الأحكام الأخلاقية من قيم وحقيقة الممارسات العملية التي لا تتناسب مطلقا مع ما اعتقده خيرا أو شرا فتكون الحيرة ويكون التردد وفقدان اليقين الأخلاقي. يمكن لفقدان اليقين الأخلاقي أن يتزعزع كذلك حين يصطدم الفرد بوجود منظومة قيم أخلاقية، تخص ثقافة وشعب آخر، مغايرة لما نشا عليه، وما اعتقده من خير بإطلاق.
إذا كانت مثل هذه الوضعيات يمكن أن تدفع العامي لفقدان اليقين الأخلاقي والريبية فإنها بالنسبة للمتفلسف مناسبة للتفكير في المسألة الأخلاقية خارج إطار البداهة الزائفة المبنية على السائد والمألوف.
يحيلنا التفكير في الأخلاق بداية، إلى مسألة" الواجب الأخلاقي". تتعلق هذه المسألة بالبحث عن أساس هذا الواجب الذي يكسب فعلنا الأخلاقي مشروعيته ويقينه. فما دلالة الواجب الأخلاقي و ضمن أية مقتضيات ، يمثل توفرها، شرط الحكم بكون فعلنا الأخلاقي ينتمي لمجال الخير؟ إن كل ربط بين الخير والواجب الأخلاقي ينتهي ضرورة إلى تجاوز خصوصية الواقع الإنساني في ارتباطه لا بالواجب كقيمة عليا ولكن بالممارسة الأخلاقية كغاية ووسيلة لتحقيق السعادة. فما دلالة السعادة؟ وضمن أية شروط يمكن تحققها؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا