الثلاثاء، 26 يناير 2010

هويتنا الثقافية والعولمة: نحو تناول نقدي

هويتنا الثقافية والعولمة: نحو تناول نقدي



سالم يفوت


مقدمة:


غرضنا في هذا البحث أن نتناول بالتحليل النقدي سؤالا جوهريا محايثا لسؤال الهوية والعولمة ولكل الأسئلة المتفرعة عنه والتي تطرحها النخبة المثقفة بالبلاد العربية، من شأن فحصه والجواب عنه أن يزيلا العديد من ألوان اللبس والغموض التي تكتنف مفهوم الهوية وغيره من المفاهيم المنحدرة إلينا من أسئلة النهضة العربية في القرن الماضي. والسؤال هو: هل يشكل التاريخ خطرا محدقا بهويتنا وهل يتهددها؟ أو بعبارة أكثر تخصيصا، تناسب هذا المقام: هل تشكل العولمة خطرا محدقا بهويتنا وهل تتهددها؟ تأتي مشروعيه طرح هذا السؤال من اقتناعنا بأن التمسك بالهوية يشتد بفعل هول التحولات والمنعطفات وكأنه نوع من الانتقام من قساوات التاريخ، أفلا تكون العولمة، من وجهة النظر هذه، "قساوة" من قساوات هذا الأخير؟ أفلا يكون طرح سؤال الهوية من جديد موقفا نكوصيا؟؟


هل العولمة قساوة من قساوات التاريخ؟






يمكن القول بداية أن "صغر العالم" وتحوله إلى "قرية صغيرة" ليس ظاهرة مباغتة وبدون مقدمات وممهدات، بل جاءت كتتويج لمسلسل طويل هو مسلسل "التدويل". فظاهرة العولمة امتداد وتطوير نوعي للتدويل يتخذ مظاهر اقتصادية واجتماعية وسياسية. فحتى حدود الثمانينات، ظلت العلاقات الاقتصادية الدولية تندرج ضمن مسلسل التدويل المتجلي في انفتاح الاقتصادات الوطنية على المبادلات التجارية والأموال الخارجية. وبازدياد وتيرة انسياب الاستثمارات عبر الحدود في كل القطاعات الإنتاجية، من خلال عمليات اقتناء المشاريع من طرف الشركات المتعددة الجنسيات، مما ترتب عنه تقدم جديد لاندماج المشروعات وتمركزها، حدث تحول نوعي في مسلسل التدويل خلال السنوات العشر الأخيرة تمخض عن العولمة. ويرى الباحثون أن ثمة أربعة عوامل ساهم ارتباطها بتقدم انتقال رؤوس الأموال والمبادلات التجارية التعجيل بظاهرة العولمة(1).


1 ـ تنوع وتعدد منابع تصدير الأموال، فلم تعد الولايات المتحدة وحدها منبعا، بل أصبحت تشاركها في ذلك اليابان وأوروبا والبلدان الصناعية الجديدة، فتشابكت الاستثمارات الخارجية وتشابكت السيولة المالية المنتقلة بين الأقطار المتقدمة.


2 ـ تحرير الأنشطة الاقتصادية نتيجة التخلي عن التقنيات المنظمة قطريا للعديد من القطاعات ذات الصلة بالعمليات المصرفية والصفقات والمواصلات، فتقلص حضور الدولة في العديد من المجالات الاقتصادية نتيجة ذلك ونتيجة الابتكارات والاختراعات الجديدة في مجال الاتصال. ولم يعد ثمة بالإمكان الكلام عن استقلالية الأسواق المالية الوطنية.


3 ـ امتياز الطفرة التكنولوجية المصاحبة للعولمة بأحداث تواصل عضوي بين مختلف مسالك التطور التكنولوجي في مجال الطاقة أو الإلكترونيات أو التواصل. وهذا ما جعلها تتحكم في اقتصاد الزمان واقتصاد المكان وتساهم في انحدار مكانة المادة الأولية داخل الدورة الإنتاجية لصالح منتوجات العقول.


4 ـ تشابه الأذواق والحاجيات وتجانس المطالب، فأصبح المستهلك مستهلكا كونيا يفضل اقتناء منتوجات ذات مواصفات ومقاييس من نفس النوع كما هو الشأن بالنسبة للأحذية المطاطية والملابس الجاهزة والسيارات… مما يجعل المنافسة ترتقي إلى درجة عالية جدا ومتقدمة في العالمية.


أدى تضافر هذه العوامل الأربعة إلى انطلاق مسلسل العولمة باعتباره مرحلة متقدمة لظاهرة تدويل الإنتاج والمشروعات، حيث أصبح الشكل المادي للإنتاج خاضعا لمنطق مجرد لمبادلات الأموال والتواصل وكان ذلك في الثمانينات، فزالت الحواجز بين الأسواق المالية وتغيرت بنياتها ومنظومات التدبير فيها. لقد تجاوز نشاط المبادلات السلع وصار ينصب كذلك على الخدمات وشبكات الاتفاقات كاقتناء البراءات. للعولمة، إذن، ثلاثة اتجاهات(2):


* اتجاه تتحول الاقتصادات الحديثة بمقتضاه إلى منظومات مندمجة تلتقي داخلها حركية توسيع مبادلات السلع والتكنولوجيا والخدمات ورؤوس الأموال ووسائل الاتصال عبر شبكات مرتبطة ببعضها البعض.


* واتجاه تتحول بمقتضاه الأنشطة الاقتصادية الموجودة داخل مختلف الأقطار بكل أشكالها إلى نماذج للإنتاج والتبادل عبر مختلف قنوات الاتصال.


* أما الاتجاه الثالث والهام، على الأقل بالنسبة لهذا المقام، فهو ذاك الذي تندثر بمقتضاه الخصوصيات الثقافية وأنماط الاستهلاك الخصوصية من جراء تجانس الطلب وخضوع المنتوجات لتنميطات موحدة ذات بعد كوني شامل.


"السوق" المعولمة " ترفض اعتبار وجود خصائص وطبائع ثقافية أو سيكولوجية محلية، وبذلك فإن العولمة تقضي بميلاد نموذج جديد للتبادل له بعد كوني. هكذا يفقد تداول السلع طبيعته الملموسة داخل الأسواق التقليدية (وطنية وجهوية ودولية) ليصبح مجردا داخل سوق من نوع جديد"(3). سنؤجل الإسهاب في هذه النقطة المتعلقة بذوبان الخصائص والخصوصيات الثقافية المحلية ومناقشتها، مكتفين اللحظة بالحديث عن العولمة والقصور البنيوي للاقتصادات العربية، ذلك أن العولمة خلقت شروطا جديدة لتنافس جديد على درجة عالية من الحدة لم تعد معه الكيانات القطرية قادرة على الصمود لمواجهة رهانات تحدي التنافس. فالكيانات القطرية العربية يطبع اقتصادها ضعف شديد وقصور بنيوي، مما يحتم عليها خلق تجمع اقتصادي جهوي أو إقليمي لتصبح فاعلة في العلاقات الاقتصادية الدولية. ومن مؤشرات ذلك القصور عدم استقرار وتيرة النمو لغياب ترشيد الموارد والتي تستعمل لأغراض الاستهلاك التبذيري المفرط والاستثمارات غير المجدية. عدم مردودية التعليم رغم ما ينفق عليه من ميزانيات ضخمة. حجم المديونية الخارجية العربية والذي لا يتناسب والموجودات العربية الموظفة أو المودعة في الخارج. الإنفاق العسكري نتيجة التناقضات العربية - العربية وغياب أسس الاستقرار السياسي والمجتمعي داخل أغلب الكيانات القطرية. سوء توزيع الدخل وضعف الفئات الوسطى وانتشار مظاهر الفقر والأمية. قصور الأداء السياسي لأغلب الدول العربية وعدم انخراطها في المشروع الديمقراطي وتفعيل المجتمع المدني، وقد ترتب عن ذلك تغييب الإنسان في عملية التنمية والبناء وتهميش الطاقات والكفاءات الثقافية والعلمية وتدهور وضع المنظومة التعليمية والبحث العلمي(4). بين، إذن، أن العرب اليوم مطالبون بأن يكونوا في مستوى التحدي الجديد، تحدي المستقبل باقتراح أجوبة مناسبة تجعلهم يواكبون التحولات التي تفرضها ظاهرة العولمة ولا يظلون في هامش التاريخ وأول شرط من شروط المواكبة: خلق تجمع إقليمي اقتصادي عربي، ذلك أن العوملة أظهرت أن الكيانات القطرية لم تعد قادرة على الاستجابة لمتطلبات الارتقاء التكنولوجي والتنافسي. أما الشرط الثاني فهو الاستجابة لمطلب الديمقراطية بخلق أدوات استشارية حقيقية بالانفتاح على طاقات المجتمع المدني ورد الاعتبار للاختلاف والتسامح وإدماج البعد الاجتماعي في عملية التنمية الشاملة، فلا تنمية اقتصادية بدون تنمية اجتماعية تقلص الفوارق وتوفر العمل.


*********


عمدنا في ما تقدم إلى إبراز الاتجاهات الرئيسية العامة لظاهرة العولمة كمدخل أو مقدمة للجواب عن سؤال نعتبره حاسما نعطيه صياغة جديدة: هل الهلع من العولمة هلع مشروع؟ وهل الهلع من المتغيرات هلع مبرر؟ إن ما حاولنا أن نؤكد عليه في الفقرة الآنفة هو أن العولمة كانت ظاهرة مرتقبة، صحيح أنها شكلت طفرة نوعية، لكنها جاءت نتيجة ممهدات ومقدمات تاريخية سبق التليمح إليها باختصار شديد. لذا فإن موقف الهلع، الذي نلحظه في العديد من الكتابات العربية، من الظاهرة يعد في نظرنا تنكرا للتاريخية والتاريخ، أي عدم اعتبار صيرورة الحقيقة وتسلسلها وعدم اعتبار إيجابية الحدث التاريخي وتسلسل الأحداث(5). ويمكن القول صراحة إن المجتمع الذي يسير على هدي النظرة التاريخية يسود العالم ولن يستطيع أي مجتمع كان المحافظة على مقامه وحقوقه إلا بالخضوع للمنطق الجديد، منطق خوض غمار المستقبل دون رهبة من المستجدات(6). من هذا المنظور، لا يجوز الكلام عن "قساوة" في التاريخ أو عن جناية تاريخية أو ما شابه ذلك من العبارات التي تنم عن الهلع من المستجدات إلا بالنسبة لذهن يتنكر لمنطق التاريخ ويهاب المغامرة التاريخية. وتلك حال الذهن العربي فلا تكاد تخلو مجلة أو صحيفة عربية من الحديث عن العولمة وعن مخاطرها ومساوئها، وكان الأمر يتعلق ببضاعة تقبل أو ترد، وكأننا في موقع قوة يبيح لنا أن نستشار في قبولها أو رفضها. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على غياب الوعي التاريخي الذي طبع مواقفنا، نحن العرب، من كبريات المنعطفات في تاريخنا وما يزال، رغم انطوائها في العديد من الأحيان على قيم يستلزم الأمر أن يستثمرها العرب لصالحهم. لقد تحدثنا آنفا عن مظاهر القصور البنيوي للاقتصادات العربية والتي تعكس مظاهر قصور آخر أعمق، إنه القصور السياسي والاجتماعي وقد ذكرنا أن أغلب الدول العربية لم تنخرط في المشروع الديمقراطي ولم يتم بها تفعيل المجتمع المدني، كما غيبت الإنسان في عملية التنمية والبناء وهمشت الطاقات والكفاءات الثقافية والعلمية… ونظن أن رفع تحدي العولمة والالتحاق بركب التقدم يفرض الانخراط في المشروع الديمقراطي وتفعيل المجتمع المدني والمراهنة على الإنسان باعتباره أكبر وأهم ورقة في عملية التنمية. إنه الحد الأدنى الذي يسمح به للعرب الدخول إلى القرن الحادي والعشرين وإلا أقصاهم التاريخ، أو أقصوا أنفسهم منه. إن النظام العالمي الجديد أصبح يفرض قيما تستلزم أن يستثمرها العالم العربي لصالحه كمدخل للعولمة وللمستقبل وهي قيم تستند إلى مبادئ كمبدأ عالمية حقوق الإنسان ويتمثل في تزايد التأكيد على احترام حقوق الإنسان والحريات العامة، فلم تعد هذه الحقوق مجرد شأن يخص كل وطن على حدة ومسألة داخلية، بل أصبحت شأنا عالميا. ومبدأ حق الاختلاف والتعدد، ومبدأ حق الجميع في الحياة في بيئة خالية من الأخطار والتلوث. ومبدأ حل القضايا عن طريق الحوار بدل المواجهة… إن إمعان النظر في هذه المبادئ يجعلنا نقتنع أنها مبادئ ما أحوجنا إليها في أقطارنا العربية. لكن الهلع من المتغيرات الجديدة يجعل بعض مثقفينا ومحللينا السياسيين يصورون العولمة، والنظام العالمي الجديد، قبل ذلك، كغول قادم يبقى على الأقوياء ويسحق الضعفاء، دون الانتباه إلى أن من لا يواكب التاريخ ولا ينصاع لمنطقه ضعيف، وإلى أن ما يحكم العلاقات الدولية هو منطق الغلبة، وأن المجتمع المتغلب اليوم هو المجتمع المتقدم. والدليل على ما نقول إن العالم العربي يقاد، حاليا، إلى الحداثة بالسلاسل، وأغلب أقطاره لم تنقد إلى المبادئ الآنف ذكرها، كمبدأ حقوق الإنسان والحريات العامة والديمقراطية، طوعا ومن تلقاء نفسها، بل قهرا وبقرار أو توصية من البنك العالمي أو صندوق النقد الدولي أو منظمة العفو الدولية وخوفا من العقوبات. بهذا المعنى، أي حين يحصل الوهم أن التقدم والحداثة يتمان قسرا و"بإملاء"، ينظر إلى المستجدات والمتغيرات، ومن بينها العولمة، على أنها "قساوة" أو جور تاريخيان، زجا بمجتمعات في تاريخ ليس تاريخها ومستقبل ليس مستقبلها.


الهوية والعولمة:


ننفذ إلى هذا الموضوع من خلال تساؤل يفرضه سياق هذا البحث: هل تتهدد العولمة الهوية؟ أو بعبارة أصح، هل تؤدي العولمة إلى اندثار الخصوصيات الثقافية؟ نقول مباشرة: إن السؤال بهذه الصيغة الأخيرة يفرض جوابا بالإيجاب، إذ من بين اتجاهات العولمة اتجاه تندثر بمقتضاه الخصوصيات الثقافية، والمقصود بذلك هاهنا، اندثار أنماط الاستهلاك الخصوصية من جراء تجانس الطلب وخضوع المنتوجات لتنميطات موحدة ذات بعد كوني. فأين نحن من الهوية؟ إن الأمر لا يعدو المستوى الاقتصادي الاستهلاكي ومن المعروف أنه حتى في هذا المستوى، تظل الفئات الوسطى والفقيرة، والتي تشكل النسبة العظمى من النسيج الاجتماعي العربي، تحتفظ إلى حد بعيد بسلوكاتها الاقتصادية والاستهلاكية لعدم قدرتها على مسايرة كل المتطلبات الجديدة. أما السؤال في صيغته الأولى فيحتاج إلى وقفة نقدية باعتبار أن الهوية أعم وأشمل من الخصوصيات في معناها المفصل أعلاه. تسبب استعمال لفظ الهوية في خلط والتباس فكريين منتشرين. فغالبا ما تفهم الهوية فهما مطلقا معزولا عن كل الظروف أو الشروط القائمة وكأن الهوية تعني أن من الواجب على عرب اليوم أن يضاهوا عرب الأمس وأن يتميزوا عن الغير، وبخاصة عن الغربيين، ويفترض كل ذلك عدم الاقتباس من ذلك الغير حتى الأمور الصالحة والمفيدة وبدعوى أنها معارضة لما يطمح إليه العرب من تميز ومغايرة، إن لم نقل من تفوق. وكلما قل الاقتباس من الخارج والتفاعل معه، تقوت حظوظ المحافظة على التشكيلة الاجتماعية وعلى نفوذ النخبة التقليدية فيها هذا رغم استيراد منتجات استهلاكية ترفيهية لا تمس في المثل والرموز"(7). لقد صار من الشائع ربط الهوية بالماضي وبما تم إنجازه فيه، كما أصبح من المألوف ربطها بما هو ثابت لا يقبل التحول ولا يراد له أن يتحول حتى لا تندثر معالم ما يحفظ للأمة استمرارها عبر الزمن، ولا تندرس أصالتها بفعل تحديات إنجازات الحاضر أو المعاصرة (بفتح الصاد). والهوية، بهذا المعنى، تغدو، في نهاية المطاف، مرادفة للجمود على الحال والتقوقع في الماضي والحقيقة. أن الهوية لا ترتبط بالماضي أكثر من ارتباطها بالمستقبل، بطموح الأمة وآمالها في المستقبل. بهذا المعنى تغدو الهوية مرتبطة بطموح الأمة ومطامحها في بناء مستقبل جديد، وما ترغب في تحقيقه في المستقبل تداركا للتأخير وبغية الالتحاق بالركب. لكن ذلك كله لن يتأتى إلا ضمن ما هو متاح، عالميا، الآن. العولمة عنصر أساسي من ذلك المتاح الذي لا يمكن تجاوزه. لقد أشرنا، منذ قليل إلى أن ثمة مبادئ يستند إليها النظام العالمي الجديد والعوملة لا يمكن للعرب عدم استثمارها من أجل بناء مجتمع مدني تحترم فيه حقوق الإنسان والحريات العامة. إن كل تقدم يستلزم استيعاب مكتسبات الحاضر وخوض غمار المستقبل، وجعل الماضي أو الهوية يرتفعان إلى مستوى معين، مستوى الحاضر والمستقبل، وهو المدخل إلى العالمية. فهذه الأخيرة لا تقتضي المشاركة فيها، بالضرورة، تذويب ألوان الخصوصية والتعالي على التاريخ وعلى الاختلافات وصنوف التنوع. "فإن التحولات الكونية قد ألقت بنا في أتون آلة حضارية جهنمية لا نملك أن نقف قبالتها عند حدود النظر إلى عجائب تركيبها وطرائق عملها وفعلها مأخوذين بالدهشة أو الاستغراب أو الذعر فحسب إن كل شيء يوجب علينا، إن كانت الحياة تعني لنا شيئا وإن كان البقاء أمرا يشغل بالنا ويقلق راحتنا، أن نصوب أنظارنا إلى ما يحدث وأن نبدع الآليات الفاعلة التي تهيء لنا استجابات مطابقة تعين على الحياة وعلى استمرار الوجود في شروط آمنة لنا نحن وللآتين من بعدنا ممن يمتون إلينا بروابط خاصة في تلك التي نتكلم عليها ونحيل إليها في كل مرة نريد أن نعرف بأنفسها وخصوصياتنا الشخصية أو التاريخية أو الحضارية أو الإنسانية قبالة الآخرين والأغيار" (8). إن الثقافات البشرية ثقافات متعددة، وجدت منذ الأزل كذلك وستظل متنوعة إلى أبد الآبدين.ولعل ما يجعلها تظل كذلك تدخل أبعاد عديدة فيها ترتد إلى ثلاثة هي: البعد الوطني القومي، والبعد الجماعي، ثم البعد الفردي والشخصي. إنها أبعاد غير قارة، بل متحركة ومتطورة بحكم تطور التاريخ. فحينما يتم الحديث عن هوية ثقافية ما فإن الأمر يتعلق بتلك الأبعاد الثلاثة وقد تشخصت في كيان أمة وحدود وطن أو دولة وشكلت مرجعا رمزيا لأفراد تلك الأمة أو ذلك الوطن. فهل العولمة اغتصاب لتلك العناصر مجتمعة وإفراغ لها من كل محتوى قصد تفتيتها وتشتيتها بربط الأفراد بعالم اللاوطن واللاأمة واللادولة واللاخصوصية؟ من الظواهر اللافتة للنظر أن الفكر العربي المعاصر "فكر أزمة"، يفترض الأزمات حيثما ينبغي التحلي بالوعي التاريخي أمام المتغيرات. يحول فشله إلى وفرة في الخطابات، وهو أمر يترتب عنه غياب تصور واضح ومحدد للمفاهيم والأطروحات موضوع الجدل مما يساعد على نشوء صراعات وهيمة، وهو أمر يضعف النظر العربي ويحصره في دائرة مغلقة من المغالطات المفسدة لآليات العمل العقلي(9). فالمتصفح لما يكتبه العديد من مثقفينا، اليوم، في موضوع العولمة في جانب آثارها الثقافية على العالم العربي يلاحظ أن الأجراس بدأت تدق مؤذنة بغزو ثقافي قادم ومنذرة بعدوان جديد على الخصوصية الثقافية يتطلب التحصن والدفاع والتأهب واليقظة(10). وعلى افتراض أننا مستهدفون فعلا بغزو ثقافي يخترق تلك الهوية فإن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: أين كنا؟ ألم يكن الأمر يستلزم من مدة وضع استراتيجيات وخطط ثقافية؟ أليست لنا تلك الاستراتيجيات والخطط؟ أين إعلامنا العربي؟ إننا نعيش في عصر الفضائيات والثورة الإعلامية، فماذا أعددنا لكل ذلك؟ لقد تعودنا الركون إلى تحميل الغير مسؤولية ما نحن فيه من مشاكل وكأننا أمة غير فاعلة يقسو علينا التاريخ مثلما تقسو علينا الظرفيات المستجدة وكل ما نفعله هو أننا نطاوع كل ذلك ونصاب بالهلع والذعر لا نملك ردود أفعال مناسبة وملائمة يمليها تصورنا للراهن والمستقبل وتخطيطنا لهما. إننا كالطفل يصاب بالذعر أمام أي شيء لم يألفه وبدلا من أن يحاول اكتشاف مجاهيله ومواجهتها، يصاب بالفزع ويفر عائدا إلى حضن أمه ينشد دفء الرغبة في العودة إلى الرحم، أي إلى مرحلة ما قبل مواجهة العالم بمشاكله وتعقيداته. لم لا يقتدي مخططونا في الثقافة، والمثقفون بمفكرينا الاقتصاديين الذين يخططون للمستقبل انطلاقا مما يعرف بالظرفية مما يعطي لتوقعاتهم صبغة أكثر علمية ويضفي عليها طابع الواقعية؟ فهؤلاء الأخيرون وأمام نفس المشاكل التي تحظى باهتمام الأولين، ولتكن مشاكل العولمة،يسلكون سبيل التحليل النقدي الهادئ الذي يقترح ردودا عملية على المستجدات بدلا من أن يفزع أمامها(11). في زمن يتحدث فيه علماء الاجتماع والانطربولوجيا الثقافية والمنشغلون بتطور الثقافات عن التثاقف والمثاقفة والتلاقح الثقافي وانفتاح الثقافات على بعضها البعض وحوار الثقافات يركن مثقفونا إلى أطروحات أثيرة لديهم كالغزو الثقافي والاغتصاب الثقافي والأمن الثقافي واختراق ثقافة لأخرى وهلم جرا، هذا مع أن الثقافة العربية برهنت، عبر تاريخها الطويل والحافل، عن انفتاح قل نظيره إن كتاب الحيوان للجاحظ كله نقول من طباع الحيوان وأجزاء الحيوان لأرسطو، ومن مؤلفات أخرى يونانية أو غير يونانية. وقس على هذا مؤلفات الفلاسفة والعلماء العرب كما أن تأسيس "بيت الحكمة" على يد المأمون العباسي يحمل أكثر من دلالة ومغزى في هذا السياق، ومن الظواهر اللافتة للنظر في تاريخ الثقافة والحضارة العربية، والتي انتبه إليها ابن خلدون أن ثقافتنا، حتى في أبهى عصورها ظلت منفتحة على غيرها من الثقافات، بل "مخترقة" من قبلها رغم أنها كانت ثقافة "الغالبين"، وبدلا من أن يقلدها المغلوبون و"تخترق" ثقافتهم، حدث العكس خلافا للقانون القائل "إن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده"(12). فما الذي دهانا اليوم؟ انهاب الحداثة ومتغيرات التاريخ رغم أن الحداثة قدرنا. نخاف المغامرة التاريخية ونبكي الأزمة في وقت كان الأمر فيه يتطلب ابتكار أساليب لتدبير الأزمة وإدارتها؟ هذا إن كانت ثمة فعلا أزمة.


خاتمة:


هل العولمة قساوة من قساوات التاريخ؟


تبين لنا من خلال ما تقدم أنها لن تبدو كذلك إلا بالنسبة لنظرة تتوهم أن التقدم والحداثة افتضاض واغتصاب واعتداء على هوية - ماهية تعلو على التاريخ ومتغيراته، هوية بكر تحتفظ بطهرها عبر الزمن وتبدلاته.


هل العولمة تتهدد الهوية؟


يتضح مما سبق ذكره أن الجواب ليس، بالضرورة، بالإيجاب. إنها لا تتهددها إلا بالنسبة لرؤية تربط الهوية بالماضي وتعتبرها معطى جاهزا ومكتملا، بينما الحقيقة أن الهوية ترتبط بالمستقبل كذلك، بطموح الأمة وآمالها في التجديد وبناء مستقبل جديد لا يتنكر لمكتسبات العصر، بل يعمل على استيعابها لصالحه، لا يتجاوز المتاح عالميا، بذريعة خلق متاح خصوصي يحفظ الهوية من تقلبات التاريخ قد يكون هذا الوهم صحيحا لو كنا نحن "الغالبين" أي نشكل مركز العالم، أما وأننا محيط أو طرف من الأطراف، فإننا مضطرون إلى قبول ما هو متاح واستثماره لصالحنا. إن من أعقد الأمور البت في المشكلات الثقافية وعلى رأسها مشكلة الهوية الثقافية فمفهوم الهوية الثقافية مفهوم غامض، لا يتحدد بالإيجاب، بل بالسلب، إن الهوية هي ما يجعلني مختلفا عن الأغيار ومتميزا عنهم، وليس من الضروري أن يكون الاختلاف والتمايز هنا بين مستويين من التطور والتحضر، فحتى بالنسبة لمجتمعات متقدمة، مثلما نلحظ ذلك حاليا في المشهد العالمي، تتبع نفس نموذج التحديث والتقدم وتوجد في نفس المستوى من التقدم، تظل الفوارق والاختلافات الثقافية بينها قائمة، كما تظل هوياتها متباينة.


لذا لا خوف على هويتنا الثقافية من التقدم والتحديث… والعولمة.


هوامش:


1 - انظر فتح الله ولعلو، تحديات عولمة الاقتصاد والتكنولوجيا في الدول العربية، عمان، 1996،


18-24.


2 - نفس المصدر، ص 25


3 - نفس المصدر، ص 26






4 - نفس المصدر، ص 47-49






5 - عبد الله العروي، العرب والفكر التاريخي، بيروت 1983، ص 206






6 - نفس المصدر،ص 94






7 - عبد الله العروي، ثقافتنا في ضوء التاريخ، ص 200






8 - فهمي جدعان، الطريق إلى المستقبل، بيروت 1996، ص 7






9 - كمال عبد اللطيف، مفاهيم ملتبسة في الفكر العربي، بيروت 1992، ص 6






10 - كنموذج لتلك الكتابات، انظر مساهمتي الأستاذين محمد عابد الجابري وعبد الإله بلقزيز في ندوة، العرب والعولمة التي انعقدت ببيروت في دجنبر 1997.






11 - انظر على سبيل المثال المجلة الاقتصادية المغربية Signes du présent, Rabat. في عددها الخاص "بمفارقات الأزمة" (د.ت) العدد الخامس 1989


12 - ابن خلدون، المقدمة، القاهرة (د.ت)، ص 147




السبت، 23 يناير 2010

الاشتغال على المحاولة: عرض نظري وتطبيقي

معهد ابن رشد السنة الدراسية 2009/2010


الأستاذ وحيد الغماري القسم : رابعة اقتصاد وتصرف 1و2



تدريب على انجاز المحاولة



تنبيه وتذكير:

يستلزم التعامل مع أي سؤال التفكير في تحديد إجابة لما يسأل عنه. غير أن ما يجب الانتباه إليه أن كل إجابة / حكم في الفلسفة تشترط، لتكون فلسفية، أن تصدر عن تفكير و تكون نتيجة استدلال وبرهنة تشرعها. هذا التحديد يقتضي أن لا نقدم أي إجابة إلا بعد تقليب السؤال والتثبت من مقاصده، وعملية التثبت هذه ترتبط بالبحث في شرعية العلاقة التي يقترحها السؤال بين معنيين. تتعلق الإجابة عن السؤال إذن بتحديد دلالة كلا المعنيين اللذان يتضمنهما السؤال في إطار وجه العلاقة المقترحة.

كل سؤال إذن هو سؤال عن علاقة تربط معنيين، والمعنيان المقصودان يرتبطان ضرورة بأحد مسائل البرنامج، لذلك من الوجيه أن نكون قادرين على استحضار معاني كل مسألة من مسائل البرنامج. ما يجب الانتباه إليه أن الموضوع قد لا يتضمن بالضرورة وبشكل صريح ومباشر معنيين إذ يمكن أن لا نجد في نص السؤال غير معنى واحد ولكن هذا لا يعني أن السؤال لا يتعلق بالسؤال عن خصوصية علاقة بين معنيين وإنما الانتباه إلى وجود معنى ضمني ومعنى صريح. فحين ننظر في هذا الموضوع مثلا: هل يُمثّل الاختلاف مُبرّرا لاعتبار الغير عدوّا ؟ نلاحظ أننا بصدد معنى واحد صريح هو الغير إلا أن الحديث عن الغير لا يمكن أن يتأسس إلا في إطار السؤال عن علاقة الأنا بالغير .

المستوى الثاني من مستويات النظر في السؤال هو تحديد طبيعة العلاقة التي يفترضها الموضوع بين المعنيين ويسأل عنها و يتعلق الأمر هنا بالكلمة أو مجموع الكلمات المفاتيح وهي المعنى أو المعاني التي تربط وتصل بين المعنيين.

خلاصة: ما الذي يتعين الانتباه له والاشتغال عليه في فهم السؤال وبناء المحاولة:

تحديد المعنيين اللذين يتضمنهما السؤال والانتباه خاصة لدلالتهما سياقيا وتحليل العلاقة المفترضة بينهما ونقدها.







الموضوع: هل يُمثّل الاختلاف مُبرّرا لاعتبار الغير عدوّا ؟

العمل التحضيري:

1/ تحديد مجال الموضوع:

يثير تحديد مجال هذا الموضوع صعوبة أولى إذ يمكن تنزيل الموضوع ضمن مسألة "الإنية والغيرية" كما يمكن تنزيله ضمن مسألة "الخصوصية والكونية" باعتبار أن نص الموضوع يتضمن معنى "الغير" ويدور حول مشكل العلاقة معه، غير أن ما يجب الانتباه إليه هو حضور معنى "الاختلاف" وهو المعنى الذي تم تناوله أساسا ضمن مسألة الخصوصية والكونية و بالتالي فان مجال هذا الموضوع سيكون من الأنسب تناوله ضمن هذه المسألة تحديدا، ولو أنه ليس هناك ما يمنع من تناوله في إطار مسألة "الإنية والغيرية". ربط مجال الموضوع بمسألة الخصوصية والكونية يستتبع بتحديد دلالة معاني السؤال ومن ثمة إشكالاته في إطار ما سبق تبينه داخل هذه المسألة.



تنبيه وتذكير:

إن اختيار السؤال الذي سنشتغل عليه خلال الامتحان، من بين الإمكانيتين التي سيقع اقتراحهما علينا، لا يمكن أن يكون اعتباطيا وإنما يخضع لمقتضيات أولية تتحدد بالتثبت في تحقق شرطين:

- التثبت من مدى فهمنا واستيعابنا للمسألة أو الدرس الذي يتنزل في إطاره مشكل الموضوع وبالتالي ستكون المفاضلة في الاشتغال على أحد السؤالين مبررة بتخير السؤال الذي نكون قادرين على استحضار و متأكدين من فهم المسألة التي يتنزل في إطارها بشكل أفضل. وهو ما يعني بشكل عملي القدرة على تحديد دلالة المعاني والإشكالات التي ترتبط بها بشكل دقيق.

- يتعلق الشرط الثاني بالتثبت من مدى فهمنا للإشكال المخصوص الذي يثيره الموضوع بشكل دقيق وأن عملنا لن يتحول لإسقاط الدرس دون اهتمام بالموضوع في خصوصيته.

ما يجب تجنبه:

المغامرة بالاشتغال على سؤال لم نتبين بشكل دقيق إشكاله المخصوص أو عدم توفر على ثقافة فلسفية تمكن من الاشتغال الجدي عليه، أي عدم فهم ومراجعة المسألة التي يتنزل فيها الموضوع بشكل جدي مسبقا.







2/ الاشتغال المفهومي

- هل يمثل: هل من المشروع / هل من المقبول/ هل يمكن الاقرار: ما سيتم التثبت فيه وتبين مدى وجاهته. تتعلق صيغة السؤال بالنظر في وجاهة علاقة التلازم.

- الاختلاف: التفرد/ التمايز/ الخصوصية/ المغايرة/الكثرة. الاختلاف يتحدد بما هو مقابل الوحدة / التماثل/ التجانس/ الاشتراك

- الغير: الآخر الثقافي/ المختلف عني من جهة حمله لهوية ثقافية مختلفة ( لاحظ أنه تم تحديد دلالة الغير في إطار الإشكالات المتعلقة بمسألة الخصوصية والكونية). يتحدد الغير بما هو المقابل للذات

- عدوا: الذي يمثل في اختلافه عني / في حمله لهوية ثقافية مختلفة مشكلا بالنسبة لي من جهة تهديده لخصوصيتي الثقافية. يتحدد العدو بما هو مقابل الشبيه/ الصديق/ المماثل.

تنبيه وتذكير:

يتم تحديد دلالة المعاني التي يتضمنها السؤال وفق مقتضيين:

- تحديد دلالة المعنى اصطلاحيا أي تحديد دلالته في إطار ما يمكن أن يحيل عليه من معاني ترتبط بما تم استخلاصه في الدرس( وهو ما سبق أن عنيناه من ضرورة التثبت من مدى استحضارنا وفهمنا للمسألة التي يتنزل في إطارها السؤال). سواء كانت معاني مجاورة أي متقاربة وترتبط بنفس النواة الإشكالية من جهة كونها تحيل على نفس الأطروحة والموقف الفلسفي . أو متقابلة باعتبارها تحيل على نفس المشكل لكنها تحمل أطروحة وموقف فلسفي مناقض.

- تحديد دلالة المعنى في سياق السؤال من جهة الانتباه إلى الروابط المنطقية والكلمات المفاتيح التي تربط بين المعاني الواردة في نص السؤال سواء تعلق الأمر بعلاقة تلازم أو بعلاقة تقابل أو بمفارقة أو بعلاقة استبعاد.

ما يجب تجنبه:

عدم الانتباه إلى الدلالة السياقية للمعنى داخل سياق الموضوع خاصة حين عدم الانتباه إلى الرابط المنطقي الذي يرتبط بالمعنى وخاصة عدم الانتباه إلى أدوات النفي أو الاستدراك .





3/أطروحة الموضوع:

يمثل اختلاف الآخر ثقافيا عني سببا لتحديد علاقتي به على أساس العداوة والصدام باعتبار أن اختلافه يمثل تهديدا لهويتي الثقافية الخاصة.



تنبيه وتذكير:

يمكن صياغة الأطروحة التي يثبتها الموضوع بالإجابة بنعم علة السؤال وصياغة هذه الإجابة اعتمادا على حاصل الفهم الذي توفر لنا من تحليل دلالة المعاني في المهمة السابقة.

ما يجب تجنبه:

الصياغة العمومية والفضفاضة للأطروحة بسبب عدم الاشتغال الجدي على دلالة المعاني و السياق الذي وقع صياغتها في إطاره، وخاصة الوقوع في الفهم العكسي لعدم الانتباه لأدوات النفي.



4/ضمنيات الأطروحة:

- اعتبار أن "الإنساني" في الإنسان وتحققه على نحو كوني كما يتجلى في الحرية والإرادة والوحدة مشروط بالتمسك بالخصوصية الثقافية كقيمة مطلقة.

- اعتبار أن حضور الآخر الثقافي يمثل خطرا يهدد هذه الخصوصية بالتلاشي والفناء.

تنبيه وتذكير:

الضمنية هي ما تفترضه الأطروحة دون أن تشير إليه أو تعلن عنه صراحة وبشكل مباشر، تكمن أهمية الضمنية في كونها ما يؤسس وجاهة موقف ما وتجعله مبررا بما تكسبه من معقولية. تتحدد أهمية استخراج الضمنيات منهجيا في اعتبارها ما سيمثل موضوع المسائلة النقدية لأطروحة السؤال.

يمكن الاستعانة في استخراج الضمنيات بالعودة إلى المسلمات العامة للموقف الفكري الذي تتأسس في إطاره أطروحة الموضوع.





5/رهانات الأطروحة:

التأكيد على الخصوصية مراهنة على وحدة الأنا الثقافي وحريته.



6/المرجعيات/المواقف التي من الممكن توظيفها في تحليل الأطروحة:

معاني التعصب والانغلاق.

مفهوم المركزية الثقافية.

تنبيه وتذكير:

يرتبط اختيار المرجعيات والمواقف الفلسفية التي سيتم اعتمادها في إثراء التحليل بمقتضيين:

- تناسب الرجعيات والمواقف الفلسفية المختارة مع مضمون الأطروحة

- التثبت من الفهم الجيد والقدرة على عرض هذه المواقف دون إخلال بمضمونها أو عرضها بشكل سطحي.

ما يجب تجنبه:

المرجعيات الفلسفية لا يمكن أن تقوم مقام تحليل الأطروحة وإنما هي تدخل في باب الدعم والإثراء لذلك حتى من الناحية التنظيمية الشكلية تأتي ثانيا بعد تحليل الأطروحة أولا.

7/الأطروحة المستبعدة:

إن اختلاف الآخر عني وتمسكه بخصوصيته الثقافية لا يمثل مبررا لتشكل علاقتي به في إطار من الصدام والعداوة.

تنبيه وتذكير:

قد يكون من اليسير تحديد الأطروحة المستبعدة من خلال الإجابة على السؤال بالنفي لكن لا يمكن لمثل هذه العملية أن تكون مثمرة إن أنجزناها بشكل آلي إذ يجب الانتباه لأن تكون هذه الصياغة مناسبة للمشكل الذي يطرحه السؤال وتحيل على موقف فلسفي يمكن دعمه بجدية.



8/رهانات الأطروحة المستبعدة:

التأسيس لإمكان العيش المشترك في إطار عالم إنساني يخلو من الصراع والنزاع ويتأسس على التواصل والحوار.



9/المواقف والمرجعيات الفلسفية التي يمكن اعتمادها في تحليل الأطروحة المستبعدة:

استثمار معاني التواصل والانفتاح والعيش المشترك.





10/بناء الإشكالية:

إذا ما كان التنوع والاختلاف الثقافي هو ميزة الوجود البشري فهل من وجاهة لاعتبار هذا التنوع والاختلاف خطرا يهددنا ويفضي إلى علاقة عداء وصراع مع الآخر أم أن هذا التنوع هو عامل إثراء للذات بحيث يجب احترامه وتثمينه؟

تنبيه وتذكير:

يكون من الأفضل ترك مهمة بناء الإشكالية إلى نهاية العمل التحضيري حتى يتسنى لنا إدراك المشكل الذي يثيره السؤال في خصوصيته كما في ثرائه في علاقة بالاحراجات التي يثيرها السؤال.

يمكن صياغة الإشكالية من خلال بنية تتركب من ثلاثة أسئلة مترابطة:

سؤال أول نصوغ داخله المشكل العام الذي يتنزل في إطاره السؤال. سؤال ثان نصوغ خلاله أطروحة الموضوع. وسؤال نقدي ثالث يوجهنا لنقد هذه الأطروحة ومراجعتها.

ما يجب تجنبه:

يجب تجنب الاكتفاء بصياغة مجموعة من الأسئلة العامة والفضفاضة التي لا ترتبط مباشرة بمشكل السؤال أو تحويل الإشكالية إلى جملة من الأسئلة المتداخلة والغير مترابطة.



الانجاز

بناء المقدمة:

مرحلة بناء المشكل( المقدمة)

- التمهيد:

+ الإشارة إلى ما يسم واقعنا المعاصر من حروب ونزاعات سواء تعلق الأمر بعلاقة الثقافات/الدول بعضها ببعض، أو تعلق الأمر بالصراع بين طوائف نفس الثقافة.

تنبيه وتذكير:

يمثل التمهيد أحد المراحل الأساسية في بناء المحاولة بما هو بقدم فكرة أولى للمصحح عن مدى جدية العمل و فهم السؤال لذلك يتوجب الانتباه لانجاز هذا الجزء من المحاولة.

يوظف التمهيد من أجل تأطير العمل بتبرير الاشتغال على السؤال من خلال التأكيد على أهمية المشكل الذي سننظر فيه بما يعطي مشروعية لكامل العمل.

يمكن الانطلاق في التمهيد من :

+ النظر في راهنية المشكل الذي يثيره السؤال أي تعلق القضية التي يتناولها بأحد المشكلات الأساسية المرتبطة بالواقع الذي نعيشه.

+ إبراز أهمية المسألة التي يثيرها السؤال في تحديد وتثمين وجودنا الإنساني سواء على مستوى فردي أو جماعي.

+ الانطلاق من الموقف العامي بإبراز تهافته وعدم قدرته على بلورة موقف حقيقي من المسألة التي نحن بصددها.



+ التخلص إلى ضرورة النظر في هذه الوضعية الإنسانية البائسة بما هي تهدد وجودنا الإنساني وتحوله إلى وجود حيواني تتعارض مع مطلب الكوني.

+ بسط الإشكالية كما تم إعدادها سابقا: إذا ما كان التنوع والاختلاف الثقافي هو ميزة الوجود البشري فهل من وجاهة لاعتبار هذا التنوع والاختلاف خطرا يهددنا ويفضي إلى علاقة عداء وصراع مع الآخر أم أن هذا التنوع هو عامل إثراء للذات بحيث يجب احترامه وتثمينه؟

مرحلة بلورة الجواب ( الجوهر)

1/ تحديد دلالة الاختلاف على النحو الذي تبيناه في العمل التحضيري:التنوع /التعدد التمايز/ المغايرة/ الكثرة.

الإشارة إلى مستويات وتجليات هذا الاختلاف الثقافي:

+الاختلاف بين ثقافة وثقافة أخرى في مستوى اللغة العادات معايير الحكم الأخلاق...

+ الاختلاف داخل الثقافة الواحدة بين الجهات/الطوائف على مستوى العادات /اللهجات أساليب العمارة وطرق الأكل واللباس...

تنبيه وتذكير:

يجدر بنا دائما أن نبتدأ التحليل بتحديد دلالة الكلمة المفتاح أو المعنى الذي يربط بين معنيي السؤال الأساسيين باعتبار أن هذه الكلمة المتاح أو المعنى هو الذي سيصوغ مشكل تحديد طبيعة العلاقة بين المعنيين.



اعتبار الاختلاف مبرر لتشكيل العلاقة مع الغير في إطار العداوة:

+ من جهة الأنا: الاختلاف مع الغير يحيل على علاقة العداوة /الصراع /العنف/الرفض في حالة ارتباط الهوية بمعاني التعصب / الانغلاق/ رفض الآخر

+ من جهة الغير: التعالي / الرغبة في السيطرة والهيمنة/ المركزية الثقافية

تنبيه وتذكير: المرحلة الثانية من بلورة المشكل تتعلق بتحليل مضمون الأطروحة كما تم تبينها في العمل التحضيري

2/ تجاوز الموقف السابق

استتباعات الأطروحة: خطورة وضعية الصراع القائم بين الأنا والغير نتيجة الربط بين الاختلاف و العداوة على إمكان العيش المشترك.

تنبيه وتذكير: يكون الانتقال من القسم الثاني من "مرحلة بلورة الجواب بإبراز خطورة استتباعات ربط العلاقة بين معنيي السؤال انطلاقا من دلالة أولى للكلمة المفتاح المعنى.( هذه الدلالة يجب أن تصاغ بداية باعتباره تحيل على استتباعات خطيرة لا يمكن القبول بها)



بيان أن تجاوز هذا الوضع الغير إنساني يستلزم إعادة النظر في مفهوم الاختلاف:

تحديد دلالة الاختلاف ضمن شروط التثاقف والتواصل والحوار والإثراء

3/ لحظة استخلاص الموقف النهائي:

التأكيد على أن الاختلاف ذاته ليس هو المشكل باعتبار أن الاختلاف والتنوع الثقافي هو واقع إنساني لا يمكن تجاوزه إنما المشكل في ربط الاختلاف بمعاني التعصب والهيمنة والتسلط.

تنبيه وتذكير: يتم في هذه المرحلة الأخيرة تحديد الموقف النهائي من المشكل الذي يطرحه السؤال باتخاذ موقف منه ومن المفترض أن هذا الموقف سينتهي إلى تبني الخيار الذي يدعم قيمة العيش المشترك والتوافق.












الجمعة، 22 يناير 2010

منزلة النمذجة في العلم المعاصر: الفيزياء نموذجا

منزلة النمذجة في العلم المعاصر: الفيزياء نموذجا
اعداد المتفقد الأول عادل الحداد
للتحميل اضغط هنا

المنزلة الابستمولوجية للنمذجة

العلم بين الحقيقة والنمذجة
المنزلة الابستمولوجية للنمذجة
اعداد المتفقد أحمد الملولي
للتحميل اضغط هنا

الجمعة، 1 يناير 2010

Désir de comprendre(II

Désir de comprendre



Le philosophe et son public (II)






Ou comment écrire pour son époque


Par Fathi NGUEZZOU


«C’est ce qui s’appelle Epoque, d’un mot grec qui signifie s’arrêter, parce qu’on s’arrête là, pour considérer comme un lieu de repos tout ce qui est arrivé devant ou après, et éviter par ce moyen les anachronismes, c’est-à-dire cette sorte d’erreur qui fait confondre les temps».


(Bossuet, Discours sur l’histoire universelle).






La philosophie a-t-elle les moyens de penser l’époque? De saisir le cours du temps objectif, humain, historique ? D’éviter l’anachronisme, la confusion des temps, voire l’uchronisme, l’absence de temps tout simplement ? Voilà des questions qui, depuis les origines de cette discipline intellectuelle, ne cessent de hanter les philosophes, mais aussi les écrivains, les poètes autant que les devins et les prophètes. N’est-ce pas là un «casse-tête» philosophique, un dilemme pour la pensée ? Qui n’a pas osé rêver d’une sortie au-delà du temps, d’une odyssée à travers les époques, d’un voyage au cœur des temps révolus ?


En fait, l’idée ou le concept d’époque, suivant toujours sa racine grecque, ne signifie rien d’autre qu’une certaine limitation dans le temps présent, un «arrêt», une prise de conscience du présent même, l’unique dimension qui constitue réellement le temps effectif, le temps qui est (laissons le temps qui fait pour une autre réflexion !), puisque le passé et l’avenir ne sont pas réellement, étant, par là même, des limites projetées à l’infini. Si la philosophie est une pensée du «présent vivant», elle devrait donc prendre en charge son époque, son inscription dans le temps, son appartenance à l’histoire. Non pas le temps comme chute ou comme déchéance, comme dégradation de la vérité, éloignement des origines selon un platonisme conventionnel et christianisé. Il s’agit plutôt d’un temps positivement constitutif de la pensée, d’un temps pris comme le vivier de la pensée : un Temps créateur, artiste, maître des mondes…


Ecrire pour soi, écrire pour autrui


Même si le discours philosophique tente de se passer de son sujet, de son auteur, pour se présenter comme un discours universel, presque anonyme, il est difficile de ne pas penser à cette dimension auto-biographique à l’origine des systèmes et des doctrines les plus connus. C’est que la philosophie a d’abord son ancrage dans la vie de tous les jours, dans les controverses, le langage ordinaire, les rencontres… pour s’élever, par une sorte de conversion, au niveau objectif de l’argumentation, des choses mêmes, de l’enchaînement logique du système. Platon, Descartes, Augustin, Ibn Sina, Husserl… ont tous contribué à penser l’expérience philosophique en termes d’ascèse, d’exercice spirituel, qui permet au Moi philosophant d’accéder à une dimension universelle, communicable, objectivement valable. Le récit se confond avec le système, l’histoire avec la pensée, la subjectivité avec la temporalité.


Et le public des philosophes ? A-t-il une place à l’intérieur de ce jeu subtil de l’écriture philosophique ? Cette écriture du moi peut-elle, en effet, s’extérioriser, devenir publique, communiquer avec autrui ?


A en croire Sartre, même un Journal intime est déjà pris au piège de la publicité : «Tout ce que je sens, je l’analyse pour autrui dans le moment que je le sens, je songe aussitôt à l’utiliser ici ou là […] je ne connais personne de si public que moi. Si je pense, la plupart du temps, c’est avec l’idée de convaincre telle personnalité particulière, si je raisonne, c’est sur le mode rhétorique, pour persuader ou réfuter» écrit-il en 1939 (Carnets de la drôle de guerre, 1995). Comme si l’acte même d’écrire signait déjà un contrat tacite avec le lecteur. Reste à chercher un équilibre difficile entre «intimité» et « publicité», à régler la première selon les conditions de la deuxième; enfin, à bien entretenir l’articulation de la pensée et de l’écriture. Des formules comme : «mes pensées devraient se préciser sous ma plume», ou «je pense et exprime en moi, je retiens sans écrire»; des questions comme: «faut-il penser en écrivant ou écrire ce qu’on a pensé ?», dénotent toutes une véritable phénoménologie de l’écriture à même l’acte de penser en sa concrétude, en sa gestualité écrivante. Avec cette hésitation, c’est la pensée elle-même qui se cherche, qui surgit in statu nascendi.


Bien entendu, il ne s’agit pas d’une alternative, d’un choix entre l’une ou l’autre attitude. Le modèle du journal intime (le Journal de Gide étant l’exemple préféré de Sartre) n’est peut-être qu’un cas-limite, une sorte d’exercice, en vue d’une écriture pensante mieux appropriée au public. Outre ses fonctions les plus immédiates – «servir de memento» ou «présenter, à côté des pensées, l’histoire des pensées» – il y a plus: ce genre d’écriture n’est intime qu’en apparence ; il correspond à une préoccupation sérieuse, à un apprentissage méthodologique : «me traiter […] successivement et simultanément par les diverses méthodes les plus récentes d’investigation…» (Carnets, pp. 74-75).


Il va sans dire que ce type de discours, régi par l’intimité personnelle de son auteur, repose sur la structure réfléxive qu’on trouve généralement dans toute subjectivité fondatrice. Un dédoublement du Moi, une «diplopie» (Merleau-Ponty), un dépassement perpétuel du temps : «Ce n’est point que je vive dans l’instant, c’est plutôt que je vis dans l’avenir»; un désaveu : «De quelque Moi que l’on me parle, je pense : je suis mieux que celui-là», voire une méconnaissance : «Je parle donc de celui que je fus sans sympathie, presque sans effort pour le comprendre», etc.


Loin d’être victime d’une conscience malheureuse, le Moi jouit désormais des prérogatives de sa liberté – cette «manière de s’échapper à soi-même» – pour diriger son regard sur sa face intérieure, réduite à un «spectateur impartial», à un «arbitre». Cela nous rappelle un exercice phénoménologique primordial : «Ce spectateur, c’est la conscience transcendantale, désincarnée, qui regarde ‘son’ homme. Quand je me juge, c’est avec la sévérité que je mettrais à juger autrui mais c’est que déjà, je m’échappe à moi-même». C’est une réduction qui fait le partage entre un Moi humain, concret, celui que nous sommes dans la vie de tous les jours, et un Moi idéal, pur, dissocié de tous les liens qui le rattachent au monde. Ce qui est remarquable chez Sartre, c’est que cette dichotomie du Moi ne relève pas d’une condition préalable au fonctionnement de la pensée théorique, mais traverse toutes les situations concrètes de la vie, surtout celles où l’on est confronté à l’épreuve de l’altérité, de l’existence irréductible d’autrui. Le primat du Moi n’a rien d’égoïste: «Je me lâche […] tout juste comme on peut lâcher son complice. Et si, devant autrui, j’assume la responsabilité de mes actes […] c’est avec l’impression de payer généreusement pour un autre» écrit-il. D’où le constat, impressionnant à notre sens, selon lequel l’absence de «cette solidarité avec soi», liée à une constante dépréciation des moments passés du Moi, «est en partie, écrit Sartre, la raison de la publicité de ma vie». Un ascétisme irrémédiable, un altruisme même : «Tout se détache de moi et je donne tout à tous, parce que je suis déjà détaché de tout. Une espèce de solitude à la proue de moi-même» (Carnets, pp. 126-127).


En somme, on peut dire qu’avec cette petite histoire du Moi, c’est l’histoire elle-même qui se constitue, se fait à même les vicissitudes et les aléas du temps. Certes, l’histoire proprement dite, le cours des temps et des époques, ne commence que par un acte de bifurcation, de dislocation, où les Moi(s) se divisent et se multiplient devenant perpétuellement autres qu’eux-mêmes. A l’origine de la condition humaine, il y a ce fait merveilleux et primordial, le fait par excellence : être soi-même comme et pour autrui.


Ecrire pour son époque


Que veut dire, dès lors, «écrire pour son époque» ? C’est ce titre même que Sartre met à la tête d’un texte publié en 1948. A l’encontre de toute compréhension immédiate et historiciste de la notion d’époque, il est dit que : «L’Epoque c’est l’intersubjectivité, l’absolu vivant, l’envers dialectique de l’histoire […] Elle accouche dans les douleurs des événements que les historiens étiquèteront par la suite. Elle vit à l’aveuglette, dans la rage, la peur, l’enthousiasme, les significations qu’ils dégageront par un travail rationnel». On est loin d’une conception de l’époque comme totalité de sens unifiée et homogène comme l’imaginent les philosophies de l’histoire. C’est la dimension de l’événement, de sa singularité irréductible et de sa contingence, qui est mise en valeur : «Au sein de l’époque, chaque parole avant d’être un mot historique ou l’origine reconnue d’un processus social, est d’abord une insulte ou un appel ou un aveu; les phénomènes économiques eux-mêmes, avant d’être les causes théoriques des bouleversements sociaux, sont soufferts dans l’humiliation ou le désespoir ; les idées sont des outils ou des fuites, les faits naissent de l’intersubjectivité et la bouleversent, comme les émotions d’une âme individuelle».


«C’est avec les époques mortes qu’on fait l’histoire, car chaque époque, à sa mort, entre dans la relativité, elle s’aligne le long des siècles avec d’autres morts, on l’éclaire avec une lumière nouvelle, on la conteste par un savoir neuf, on résout pour elle ses problèmes, […] ses limites apparaissent tout à coup et ses ignorances.»


F.N.