الثلاثاء، 2 يونيو 2009

منهجية المحاولة للشعب العلمية

تتحدد المحاولة باعتبارها تفكير منظم ومنطقي حول مشكل فلسفي مخصوص. وبالتاي فبناء المحاولة يجب أن يخضع للمقتضيين معا: أي تبنى المحاولة على أساس نظام من الحجاج يتجلى في تسلسل منطقي للأفكار من جهة أولى، وأن يتحدد نظام هذا الأفكار وفق ما يقتضيه السؤال من مقاربة لمشكل مخصوص.
تتشكل المحاولة من 3 أجزاء رئيسية هي المقدمة والجوهر والخاتمة:
المقدمة هي المجال الذي نمهد في لتحليل الموضوع من خلال تبرير النظر في المشكل الذي يثيره السؤال وتحديد الإشكالية التي يطرحها وإبراز أهمية النظر فيها.
الجوهر وفي إطاره يتم تحديد الصعوبة/ الإحراج الذي يثيره السؤال والبحث عن حل شرعي لهذه الصعوبة.
الخاتمة ونعرض فيها النتيجة النهائية لما توصلنا إليه في الجوهر.

العمل التحضيري:
لا يمكن انجاز المحاولة قبل فهم السؤال وإدراك خصوصية المشكل الذي يثيره وهو ما يستوجب انجاز عمل تحضيري يمكننا في مرحلة أولى من تفكيك السؤال بغية تحديد مشكله وتبين وجه الإحراج الذي يثيره ثم القيام بعملية التركيب التي تسمح باقتراح حل لمشكل السؤال.
العمل التحضيري ليس مجرد كتابة خربشات على ورقة الامتحان نسجل من خلالها بعض الملاحظات الأولى التي تفتقد للدقة، والعمل التحضيري ليس كذلك ما ننجزه من عمل تأليفي على المسودة دون تفكير مسبق في الموضوع ولا بناء تخطيط محكم له.
يتشكل العمل التحضيري من جملة من اللحظات/ المراحل يقع خلال كل مرحلة التركيز على انجاز مهمة محددة.
لحظة بناء المشكل:
يطرح السؤال مشكلا مخصوصا يتعلق بأحد مسائل البرنامج ولذلك لا بد من استخراج هذا المشكل بدقة لتجنب الانسياق نحو الإسقاط واستعراض الدرس، أو الخروج عن الموضوع أصلا.
لتحديد هذا المشكل يجب تحديد موضوع السؤال بدية. وموضوع السؤال يمكن الانتباه اليه من خلال طرح السؤال التالي: عن ماذا يسأل السؤال؟ وذلك بغض النظر عن الاحراج الذي يثيره السؤال في خصوص الموضوع الذي يسأل عنه.
مثال توضيحي أول:
هل يمكن أن نثق في وعينا بذاتنا؟
موضوع السؤال هو الوعي بالذات.
مثال توضيحي ثاني:
هل أنا جسدي؟
موضوع السؤال هو الأنا.
مثال توضيحي ثالث:
هل يمثل الإقرار بالتنوع الثقافي عائق أمام التواصل بين الثقافات؟
موضوع السؤال هو التنوع الثقافي.
مثال توضيحي رابع:
بأي معنى يمكن الحديث عن قيم كونية؟
يتعلق موضوع هذا السؤال بالقيم الكونية

بماذا يفيدني تحديد موضوع السؤال؟

تتحدد أهمية انجاز هذه المهمة في حصر مجال اهتمامنا وفق ما يطرحه السؤال من اشكال مخصوص يتعلق بمسألة محددة من مسائل البرنامج ونقطة بالذات من نقاط هذه المسألة، وهو ما يجنبنا من كل خروج عن الموضوع.
عند تحديد موضوع السؤال يجب الابتداء بمقاربته من جهة تحديد دلالة المفهوم الذي يشكل موضوع السؤال واستحضار مختلف الأفكار المتعلقة به وتسجيلها على المسودة. يمكن أن ننجز هذا المطلب من خلال الإجابة عن الأسئلة التالية:
* ما هو المجال الذي يتنزل ضمنه المفهوم / موضوع السؤال؟ ماهي المسألة التي يرتبط بها هذا المفهوم من مسائل البرنامج؟
* ما هو المشكل العام الذي يشتغل ضمنه هذا المفهوم؟ أحد وجوه المفهوم كونه يمثل حلا لمشكل فلسفي محدد، فما هو المشكل الذي يمثل هذا المفهوم حلا له؟
* ما هي المرجعية الفلسفية / الفيلسوف أو الموقف الفلسفي الذي يرتبط به هذا المفهوم؟

مثال توضيحي:
هل يمكن أن نثق في وعينا بذاتنا؟
موضوع السؤال هو الوعي بالذات.
* مجال الموضوع:
مفهوم الوعي بالذات يتنزل في إطار مسألة الانية والغيرية. هذه الخطوة أساسية لأنها تحدد لنا إمكان الاشتغال على هذا السؤال أو تركه جانبا باعتبار مدى تحضيرنا وفهمنا للمسألة التي يتنزل السؤال ضمنها.
* المشكل العام للموضوع:
تحديد الانية: تعيين ما يكون به الإنسان إنسانا على وجه كوني. الموضوع يفترض أن الانية مشروطة بالوعي بالذات. تفيد هذه المهمة في بناء فكرة ناظمة للمحاولة بحيث يجب أن يتعلق مسار الحجاج وتطور التفكير داخل المحاولة بالتثبت من وجاهة هذا الربط بين الوعي بالذات وتحقق الانية.
*مرجعية موضوع السؤال:
يحيلنا مفهوم الوعي بالذات على فلسفات الوعي وهنا للاشتغال على هذا السؤال يجب أن نكون متمثلين لأطروحة ديكارت على الأقل للتحليل وفرويد للنقد.

لحظة بناء الإشكال:

اللحظة الأولى من العمل التحضيري سمحت لنا بتأطير المشكل العام للسؤال وتحديد مبحثه، أما اللحظة الثانية فإنها يجب أن تمر بنا مما هو عام إلى ما هو أكثر خصوصية أي تحديد إشكالية السؤال ذاته ضمن المشكل العام الذي سبق بناءه.
لبناء الإشكالية يجب الاهتمام بصيغة السؤال ذاته في علاقة بالكلمة المفتاح التي تحدد المطلوب. فموضوع السؤال يبقى عاما ويمكن تناوله من أكثر من زاوية نظر بينما يتقوم السؤال بحصر مجال الاهتمام في زاوية نظر واحدة للمشكل العام.
يجب الانتباه إذن إلى ضرورة الاشتغال على زاوية النظر المخصوصة التي يقترحها السؤال في تناولها للمشكل العام. الكلمة أو العبارة المفتاح هي التي تحدد وجه الإحراج في السؤال.
مثال توضيحي:

هل يمثل الإقرار بالتنوع الثقافي عائق أمام التواصل بين الثقافات؟
الكلمة / العبارة المفتاح: الإقرار عائق: يتعلق الأمر إذن بالنظر في شرعية العلاقة التي يفترضها الموضوع، والتي يعتبرها عائق، بين مفهومي التنوع الثقافي والتواصل بين الثقافات.
مثال توضيحي:
هل يمكن أن نثق في وعينا بذاتنا؟

الإشكال يتعلق في التثبت في إمكان الثقة من عدمها. وهو ما يعني ضرورة النظر في دلالة القول بإمكان الثقة في الذات بكون التنوع الثقافي عائق .
عملية التثبت تقتضي أن ننظر في الفرضيتين الممكنين؛ أي أن يكون الاختلاف عائق وأن لا يكون عائق. وفي هذا المستوى لا بد من اتخاذ موقف أولي من كلتا الإمكانيتين ونميز بين الموقف الذي يمكن تبنيه والموقف الذي يجب رفضه.
يتعلق الأمر بأن نتثبت من قيمة الإجابة بنعم وقيمة الإجابة بلا. غير أن ما يجب الانتباه إليه أن المسألة لا تتعلق بإجابة مباشرة و إنما بعمل تحليلي نبين من خلاله مضمون الموقف و مسلماته والحجج التي يدعم بها موقفه. وان ما يبرر المرور من الإجابة الأولى إلى الإجابة الثانية هو قصور الموقف الأول على أن يجعل من العيش المشترك ممكنا.


المقدمة:- التمهيد- الإشكالية- إبراز أهمية النظر في الإشكاليةالجوهر- تحديد موضوع السؤال- النظر في الحل الأول الممكن لإشكالية السؤال: نبتدئ دائما بالموقف الأضعف.ندعمه بحجةاستنتاج نبين فيه قصور هذا الحل على حل المشكل العام الذي يتنزل في إطاره المشكل العام للسؤال- النظر في الحل الثانيندعمه بحجةاستنتاج نبين داخله قدرة هذا الحل على حل المشكل العام الذي يتنزل في إطاره السؤالالخاتمة:النتيجة النهائية التي خرجنا بها من التحليل.

ما يجب انجازه بعبارة أخرى في الجوهر
1/ أن نقوم بتحديد موضوع السؤال: ما هو المشكل الذي يثيره السؤال
2/ أن نقدم إجابة أولى عن السؤال بحيث تكون هذه الإجابة الأولى هي الإجابة الأقل تماسك منطقي أي الأضعف والتي يتيسر لنا نقدها( ليس هناك من مقتضى أولي لتسبق الإجابة بنعم أو لا بل القاعدة هي أن نبدأ بالإجابة الأضعف) كما تبيناه في العمل التحضيري.
3/ أن نقدم الإجابة الثانية باعتبارها نقدا للإجابة الأولى وان الإجابة الثانية هي التي تحمل الحل الشرعي للسؤال.

مثال توضيحي :
هل يمكن أن نثق في وعينا بذاتنا؟

الجوهر:

1/ تحليل دلالة الثقة الوعي بالذات ( موضوع السؤال) دون ربطه بأي مرجعية فلسفية أو تقديم حجج ودعائم لهذا التحديد. الثقة في الوعي بالذات هو الثقة في قدرة الذات على معرفة ذاتها بشكل يقيني وقدرتها على التحكم في ذاتها بما تتوفر عليه من حرية.
2/ الإجابة بنعم أولا ( على أساس أن ادعاء إمكان الثقة في الوعي بالذات يمكن نقده.) يجب أن يضم هذا العنصر:
* ربط الثقة في الوعي بالذات بمرجعية فلسفية محددة: ديكارت مثلا. وهنا نبين دلالة الوعي بالذات عند ديكارت بما هي معرفة الإنسان لحقيقته كذات مفكرة تكمن كل حقيقتها في التفكير
إبراز أن هذه الثقة تنبع من بداهة الكوجيتو ذاته
* تقديم الحجج والمبررات التي تدعم هذا الموقف. صمود الأنا أفكر أمام تجربة الشك.
* الخروج باستنتاج يتشكل من جزأين:
- تثمين الموقف الذي نحن بصدد مناقشته. التأكيد على حرية الذات وفاعليتها
- الاستدراك على وجاهته ( يمكن أن يكون ذلك من خلال مقارنة هذا الموقف بالمعيش) الهفوات في الافعال مثل زلات اللسان والقلم التي لا يمكن تفسيرها انطلاقا من القول بالوعي بالذات.
3/ التضنن على الثقة في الوعي بالذات :أطروحة فرويد وتأكيده على إرجاع جزء أساسي من حياتنا النفسية إلى اللاوعي.

مثال توضيحي ثاني:
هل يمكن طلب أخلاق كونية؟

الجوهر
1/ تحليل موضوع السؤال: دلالة طلب أخلاق كونية: أخلاق إنسانية تتسم بالانطلاق و لا تخضع للنسبية الثقافية أو أهواء الفرد فتكون بذلك متعلقة بالإنسان بما هو إنسان، البحث فيما يجب أن يكون.
2/ شرعية طلب أخلاق كونية تقوم على العقل : استثمار أطروحة كانط
تبرير طلب أخلاق كونية بما يجعلنا نتجاوز الأهواء والمصالح الشخصية الضيقة
3/ التشكيك في إمكان تحقيق هذا المطلب باعتبار البعد الاجتماعي للأخلاق الذي يربط الأخلاق بما هو كائن : أطروحة دوركايم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا