الأربعاء، 29 أبريل 2009

السلام


ليُغنِّ غيري للسلامْ
ليُغنِّ غيري للصداقة، للأخوّةِ، للوئامْ
ليُغنِّ غيري.. للغراب
جذلانَ ينعقُ بين أبياتي الخراب
للبوم.. في أنقاضِ أبراجِ الحمام !
ليُغنِّ غيري للسلام
و سنابلي في الحقل تجهشُ بالحنين
للنورج المعبود يمنحها الخلود من الفناء
لصدى أغاني الحاصدين
لِحُداء راعٍ في السفوح
يحكي إلى عنزاته.. عن حّبّه الخَفِرِ الطموح
و عيونهِا السوداء.. و القدِّ المليح
***ليُغنِّ غيري للسلام
و العينُ ما عادت تبلُّ صدى شُجيرات العنب
و فروعُ زيتوناتها.. صارت حطب
لمواقد اللاهين.. يا ويلي.. حطب!
و سياجُنا المهدودُ أوحشهُ صهيل الخيل في الطِّفلِ المهيب
و الُجرن يشكو الهجرَ.. و الإبريقُ يحلم بالضيوف
بالـ (( يا هلا )) ! .. عند الغروب
و رؤى البراويز المُغَبَّرةِ الحطيمه
تبكي على أطرافها، نُتفٌ من الصور القديمة
و حقائبُ الأطفال... أشلاءٌ يتيمه
لبثت لدى أنقاض مدرسةٍ مهدّمةٍ حزينه
ما زال في أنحائها.. ما زال يهزاُ بالسكينه
رَجعٌ من الدرس الأخير..
عن المحبة و السلام !!
***ليُغنِّ غيري للسلام
و هناك.. خلف حواجز الأسلاك.. في قلب الظلام
جثمت مدائن من خيام
سُكّانُها..
مستوطنات الحزن و الحمّى، و سلّ الذكريات
و هناك.. تنطفئ الحياة
في ناسِنا..
في أبرياء.. لم يسيئوا للحياة !
و هنا... !
هَمَت بيّارةٌ من خلقهم.. خيراً كثير
أجدادهم غرسوا لهم..
و لغيرهم، يا حسرتي، الخير الكثير
و لهم من الميراث أحزان السنين !
فليشبع الأيتام من فضلات مأدبة اللئام !!
***ليُغنِّ غيري للسلام..
و على ربى وطني، و في وديانه.. قُتِل السلام ؟
(الأسطر الثمانية الأخيرة من هذه القصيدة محذوفة بالشكل التالي:
)
لا نُصبَ.. لا زَهرةَ.. لا تذكار
لا بيتَ شعرٍ.. لا ستار
لا خرقة مخضوبة بالدم من قميص
كان على إخوتنا الأبرار
لا حَجَرٌ خُطّت به أسماؤهم
لا شيءَ.. يا للعار
***أشباحُهم ما برحت تدورْ
تنبش في أنقاش كَفْر قاسم القبور
(الأسطر الثمانية الأخيرة من هذه القصيد أيضاً محذوفة بإشارة الرقيب الصهيوني...)
سميح القاسم

الاشتغال على موضوع في صيغة علاقة بين معنيين


الاشتغال على موضوع في صيغة علاقة بين معنيين


يثير الموضوع الذي يرد في صيغة علاقة بين معنيين صعوبة مخصوصة تتمثل في التباس المطلوب بغياب السؤال المباشر عن طبيعة العلاقة التي تربط بين المعنيين. إذا كانت هذه الصعوبة يمكن تجاوزها في الموضوع الذي يرد في صيغة تساؤلية من خلال الوقوف على محتوى الاستشكال الذي تفترضه صيغة السؤال، من توجيه للمطلوب، فان في هذه الصيغة وبغياب مطلوب السؤال تضل غير محددة بشكل مباشر.
إلا أن غياب الصيغة التساؤلية لا يعني مطلقا انغلاق هذا الصنف من المواضيع وعدم إمكان الاشتغال عليها. يتعلق الأمر فقط بضرورة الوعي بخصوصية هذه الصيغة وما تستلزمه بالتالي من خصوصية في المعالجة وبناء التخطيط.
يستوجب الاشتغال على هذه الصيغة بداية توفر حد أدنى من التحصيل المعرفي بخصوص المعاني المطروحة، فكل التباس في إدراك دلالتها بشكل عميق يجعل من إمكان مقاربتها غير ممكن لأنه سيكون من المتعذر تلمس الإشكال الذي يرتبط به كل معنى من جهة ، والمسألة التي يمكن ، في إطارها، تبرير الجمع بينهما في وحدة إشكالية متماسكة.

العمل التحضيري:

1/ التحديد المفهومي:
العمل على تحديد دلالة كل معنى من المعنيين بشكل منفصل بتتبع دلالة كل معنى اشتقاقيا واصطلاحيا، والنظر في المجالات التي يمكن تنزيل كل معنى في إطاره. تتحدد هذه المجالات من خلال رد المعنى الى أحد مسائل البرنامج أو أكثر حسب ما يسمح به الامتداد المفهومي للمعنى.
لأنه من غير الممكن عمليا تتبع دلالة المعنى في مجالات متنوعة ومتعددة فانه يستوجب رد المعنى الذي نشتغل عليه إلى مجال محدد. يبقى السؤال على أي أساس يمكن تحديد هذا المجال المخصوص دون غيره؟
يتم تحديد هذا المجال من خلال تتبع وجه الالتقاء الممكن بين المعنى الأول والمعنى الثاني. وفي حالة كان إمكان الجمع بين المعنيين ممكنا في أكثر من مجال فيجب تناولها جميعا.
حين الاشتغال على الموضوع التالي، مثلا،" الوعي والحرية" ، فانه يجب أن ننتبه الى أن مجال الموضوع لا يمكن اختزاله في مسألة الانية والغيرية، وهي الصعوبة التي ترتبط بهذا الموضوع، فان كنا قد تناولنا مفهوم "الوعي" بشكل مخصوص في إطار هذه المسألة، وأن مفهوم الحرية ذاته تم تناوله في ذات المسألة، فان مفهوم الحرية لا يمكن حصر مجاله في حدود مسألة "الانية والغيرية" لان مفهوم الحرية يحيلنا كذلك على باب القيم في مسائله الأربعة.
يجب إذن الانتباه جيدا لمجال اشتغال المفاهيم وتحديده بدقة، وحتى في حالة الاختيار على حصر مجال الموضوع في مسألة بعينها من مسائل البرنامج فلا بد من الإشارة لذلك، في المقال، ومحاولة تبرير هذا الاختيار.
في مرحلة أخيرة من العمل المفهومي يجدر ربط كل معنى بمرجعية فلسفية تتيح تحليله بعمق فلسفي.

2/ النظر في العلاقة الممكنة بين المعنيين

يجب الوعي بداية أن الجمع بين المعنيين في موضوع واحد ليس اعتباطيا أو عفويا، وإنما لدواع إشكالية تبرر الربط بينهما. للتثبت من طبيعة هذه العلاقة يمكن أن نفترض ان هذه العلاقة هي علاقة تقابل ونمتحن شرعية افتراض هذه العلاقة التقابلية في إطار المجال الذي حددناه لاشتغال هذه المعاني.
أما في مرحلة ثانية فيجب النظر في حدود الفرضية الأولى وإعادة النظر في تصورنا للعلاقة من خلال افتراض علاقة التكامل والتضايف بين المعنيين.

3/ النظر في شرعية الربط ذاته بين المعنيين

يتعلق النظر في هذا المستوى بتقييم شرعية الربط ذاته بين المعنيين اللذان يتشكل منهما الموضوع في إطار إيجاد حل للإشكالات المتعلقة بالمجال الذي يتنزل فيه الموضوع.
هذا التقييم يفترض تحديد المكاسب كما الحدود

الاثنين، 27 أبريل 2009

الامتثال للواجب كمعيار للخير




1/ الامتثال للواجب كمعيار للخير:

يرتبط الاستشكال الفلسفي للمسألة الأخلاقية بتحديد مرجع الفعل الأخلاقي. إن السؤال لا يتعلق،إذن، بالقيم الأخلاقية كما هي متحققة فعليا، ولا بالتساؤل عن إمكانات تحقيقها، وإنما يتعلق الأمر بقيمة هذه القيم أصلا والبحث في أساسها الذي يضفي عليها مشروعية ويربطها بالخير كقيمة عليا.
يمثل الخير قيمة عليا باعتباره مطلب كل سلوك أخلاقي؛ فما نرمي لتحقيقه والتماهي معه هو تحقيق الخير. فالخير هو ما يضفي معقولية على أفعالنا وسلوكياتنا الأخلاقية ويجعلها تكتسب دلالة ومعنى. على هذا الأساس لا يصدر الفعل الأخلاقي بصورة عفوية مباشرة وإنما في إطار الغاية والهدف الذي ينشده أي تحقيق الخير.
ترتبط خيرية الفعل بالأساس الذي يصدر عنه ويوجهه. يتحدد هذا الأساس في الواجب الأخلاقي . فم دلالة الواجب الأخلاقي؟ وما هو معياره؟
أ/العقل أصل الواجب الأخلاقي:كانط
الفعل الأخلاقي هو السلوك الذي تنطبق عليه أو توجهه منظومة أوامر ونواه، وبذلك فالفعل الأخلاقي لا يصدر بصورة تلقائية، وإنما نتيجة وازع أو باعث وهو ما نسميه بالواجب الأخلاقي، أي مرجع الفعل الأخلاقي. فما هو أصل الواجب الأخلاقي عند كانط؟
إن تقييم الفعل الأخلاقي، أي النظر في مدى أخلاقيته، لا يمكن أن يتم على أساس النظر في الأفعال الأخلاقية ذاتها بل يستوجب الأمر النظر في طبيعة الدوافع التي أنبنى على أساسها الفعل . ذلك أنه قد تصدر منا أفعالا خيرة، لكن دون أن يكون الخير ذاته هو غاية فعلنا، بل يكون الدافع هو البحث عن تحقيق غاية ما، قد تكون هي ذاتها غير أخلاقية:إن الفعل الخلقي حقيقة لا يمكن أن يكون معياره مجرد الانسجام مع القانون الأخلاقي؛ أي منظومة الأوامر والنواهي ذات الطابع الكلي، بل يجب أن تكون صادرة أصلا عن الفانون الأخلاقي ذاته، وهو ما يستوجب توفر الإرادة الخيرة في ذات الفاعل، أي أن تكون غاية الفعل الأخلاقي هي الخير ذاته وليس تحقيق مصلحة أو منفعة.
من هذا المنطلق ميز كانط بين صنفين من الأوامر:الأوامر الشرطية و الأوامر القطعية.
الأمر الشرطي هو الأمر الذي يربط الفعل بتحقيق غاية محددة، بحيث لا يطلب الفعل الأخلاقي لذاته وإنما لنتائجه وانعكاساته. الفعل الأخلاقي الشرطي هو الذي يفترض مسبقا النتيجة، كما يفترض الوسائل اللازمة لبلوغها. مثال لا تغش حتى تكسب ثقة الآخرين:الغش هنا ليس مرفوضا لذاته وإنما لتحقيق غاية هي كسب ثقة الآخرين. إن ما يجعل من الأمر الشرطي فعلا غير أخلاقي هو كونه يصدر عن مبدأ ذاتي لا يمكن تعميمه لأنه في حال القبول به كمبدأ كوني فسينشر بين البشر جميع أشكال الرياء والنفاق...
في المقابل الأمر القطعي هو أمر مطلق وكلي، يقر أن الفعل ضروري في ذاته فهو فعل يتسم بالديمومة وينتج عن تمثل للقوانين الأخلاقية الكلية والضرورية فما يوجهه هو فعل الخير كمبدأ وغاية.
هل من أخلاقية لفعل يحدث استجابة لأمر أخلاقي/قانون أخلاقي ؟هل يبقى للفعل قيمة حين يملى على الفرد؟ألا تتناقض طبيعة الأمر الأخلاقي القطعي مع مبدأ الحرية؟
إن الأوامر الأخلاقية القطعية والتي تتخذ صورة قانون أخلاقي تجد مصدرها في العقل، إذ لا يمكن استنتاجها من المعيش أو من التجربة. يعود هذا الفصل بين القانون الأخلاقي والتجربة إلى ما يمكن أن يطرأ على تجربتنا المعيشة من نسبية وتعدد واختلاف بما يجعل من الأحكام التي تستمد منها لا تفي بمقتضى الكلية والشمولية.
القانون الأخلاقي لا يمكن أن يستمد إلا من فاعلية العقل العملي باعتباره المشرع للقانون الأخلاقي. بذلك فان الذات التي تطيع القانون الأخلاقي إنما تطيع ذاتها لا احد خارج عنها باعتبار أن العقل في بعده العملي هو من شرع هذه القوانين. ليس هناك من تناقض بين طاعة عقلنا الخاص والخضوع للقوانين الأخلاقية. وعلاقتنا بهذه القوانين تكون مبنية على التزام ذاتي وليس إلزاما خارجيا. الحرية الحقيقية هي الحرية التي تقترن بهذا الالتزام بالقانون الأخلاقي.

ب/ الأصل الاجتماعي للواجب
يعتبر دوركايم أن المجتمع هو المصدر المطلق للقيم الأخلاقية ، بمعنى السلطة المشرعة لكل ما هو قيمي وما على الفرد إلا الالتزام بماهو اجتماعي. على هذا الأساس تكون الأخلاق إلزاما ناتج عما يفرضه المجتمع من قواعد سلوك.
ينبع هذا الإلزام عما استبطنه الفرد من قيم أخلاقية من مجتمعه عبر آلية التنشئة الاجتماعية بآلياتها المختلفة المتمثلة في العائلة والمدرسة...يتحدد المجتمع كمصدر للقيم الأخلاقية عند الفرد، إذ لا يمكن للأخلاق إلا أن تكون اجتماعية. على هذا الأساس يرفض دوركايم كل محاولة لتأسيس القيم الأخلاقية على "الطبيعة الإنسانية" أو العقل .... إن ما يثبت هذا التحديد حسب دوركايم هو تنوع واختلاف القيم الأخلاقية من مجتمع إلى آخر ومن ثقافة وأخرى، فلو كان مصدر القيم الأخلاقية مطلقا وثابتا كالعقل مثلا، لكانت القيم الأخلاقية واحدة ولكن الواقع يثبت أنها ليست كذلكيتجلى هذا الإلزام في في طبيعة الضمير الخلقي الذي هو صدى للضمير الجمعي. فحين يتكلم الضمير فينا فإنما هو صوت المجتمع داخلنا. بذلك تكون المعايير الأخلاقية نسبية ومختلفة من مجتمع لمجتمع آخر

الأحد، 26 أبريل 2009

التمهيد

إن ما يبرر الاهتمام الفلسفي بمسألة الأخلاق، هو هذا الرابط الوثيق الذي يشد المسألة الأخلاقية إلى الوجود الإنساني. يتجلى هذا الرابط في مستويين:
- إن القيم الأخلاقية هي التي يتجلى في إطارها إنسانية الإنسان وتميزه النوعي عن الوجود الحيواني، ذلك أن هذه القيم الأخلاقية تحديدا هي التي تسبغ دلالة ومعنى على وجوده. ما يميز الحياة الإنسانية إنها تقطع مع الغريزة والآلية لترتبط بالقصد والغاية المحددة سلفا، بذلك فان ما يكسب الحياة معنى حقيقيا هو ارتباطها بالقيم بحيث يكون لكل فعل وسلوك قيمة يكتسبها من مقصده وغايته.
- إن مقتضيات العيش المشترك و الوجود معا تستلزم التفكير في مسألة القيم الأخلاقية باعتبار أن هذا الوجود المشترك إنما يتأسس انطلاقا من وحدة المعايير الأخلاقية وانسجامها.
لا يأتي السؤال عن الأخلاق أولا ، بل يأتي دائما متأخرا؛ ذلك أن الإنسان العامي لا يسأل مطلقا عن الأخلاق ولا عن قيمه الأخلاقية: إنها بالنسبة له طبيعية. هي طبيعية بمعنى أن القيم الأخلاقية التي توجه سلوكه هي معطى بديهي فما يعيشه وما تعلمه على أساس كونه خير فهو خير بإطلاق وما تعلمه واكتسبه من قيم باعتبارها شر فهي شر بإطلاق. يتعلق مصدر هذا الإحساس بما نشأ عليه الفرد من قسم بفعل التنشئة الاجتماعية القائمة على التلقين والمؤسسة للتماثل مع الآخرين باعتبار أن هذا التماثل هو شرط حياة أخلاقية خيرة.
هذا الموقف العفوي والأولي لا يسأل عن القيم الأخلاقية فهي مسلمات بديهية. غير أن هذه الثقة المطلقة فيما ينشأ عنه الفرد من قيم، واعتاد من أحكام، سرعان ما ينهار حين يصطدم بمفارقات تخص قيمه لا يجد لها تبريرا داخل منظومة القيم الأخلاقية التي نشا عليها. تتزعزع هذه الثقة حين يصطدم بالتناقض بين ما تحمله الأحكام الأخلاقية من قيم وحقيقة الممارسات العملية التي لا تتناسب مطلقا مع ما اعتقده خيرا أو شرا فتكون الحيرة ويكون التردد وفقدان اليقين الأخلاقي. يمكن لفقدان اليقين الأخلاقي أن يتزعزع كذلك حين يصطدم الفرد بوجود منظومة قيم أخلاقية، تخص ثقافة وشعب آخر، مغايرة لما نشا عليه، وما اعتقده من خير بإطلاق.
إذا كانت مثل هذه الوضعيات يمكن أن تدفع العامي لفقدان اليقين الأخلاقي والريبية فإنها بالنسبة للمتفلسف مناسبة للتفكير في المسألة الأخلاقية خارج إطار البداهة الزائفة المبنية على السائد والمألوف.
يحيلنا التفكير في الأخلاق بداية، إلى مسألة" الواجب الأخلاقي". تتعلق هذه المسألة بالبحث عن أساس هذا الواجب الذي يكسب فعلنا الأخلاقي مشروعيته ويقينه. فما دلالة الواجب الأخلاقي و ضمن أية مقتضيات ، يمثل توفرها، شرط الحكم بكون فعلنا الأخلاقي ينتمي لمجال الخير؟ إن كل ربط بين الخير والواجب الأخلاقي ينتهي ضرورة إلى تجاوز خصوصية الواقع الإنساني في ارتباطه لا بالواجب كقيمة عليا ولكن بالممارسة الأخلاقية كغاية ووسيلة لتحقيق السعادة. فما دلالة السعادة؟ وضمن أية شروط يمكن تحققها؟

السبت، 25 أبريل 2009

الممنوعات
أحمد فؤاد نجم

ممنوع من
السفر

ممنوع من
الغنا
ممنوع من
الكلام
ممنوع من
إلاشتياق
ممنوع من
إلاستياء
ممنوع من
إلابتساموكل يوم فى
حبك
تزيد الممنوعات
وكل يوم
باحبك
أكتر من اللى فات
حبيبتي يا سفينه
متشوقه وسجينه

مخبر فى كل
عقده
عسكر فى كل
مينا
يمنعني لو أغي
رعليكي أو أطير
إليكي واستجير
بحضنك
أو أنام
فى حجرك الوسيع
وقلبك ألربيع
أعود كما
الرضيع
بحرقه الفطام
حبيبتي يا مدينه
متزوقه وحزينه
فى كل حاره
حسره
وف كل قصر
زينه
ممنوع من
إني أصبحبعشقك ..
أو أبات
ممنوع من
المناقشه
ممنوع من
السكات
وكل يوم
فى حبك
تزيد الممنوعات
وكل يوم
باحبك
أكتر من اللى
فات

بتية مقال تحليل النص

ملاحظة هامة:
- لا يمكن استنساخ هذا العمل واعتماده قالبا جاهزا لكتابة مقال يتعلق بأي نص فلسفي وإنما يقدم فقط اقتراحا لما يجب أن يتضمنه المقال من عناصر.
- حتى في حالة اعتماد هذا العمل كقالب للمقال فانه لا يمكن استثماره دون انجاز عمل تحضيري يمكن من الاشتغال الفعلي على النص.


المقدمة:
إن التساؤل عن حقيقة الإنسان من جهة ربط هذا السؤال بمسألة....(المسألة الني يتنزل في إطارها النص) تثير حرجا حقيقيا من جهة التوتر القائم بين معاني......( المعانيان اللذان يرتبطان بالمسألة. مثال: الإنساني الغيرية والانية، العمل النجاعة والعدالة...) بما يربك أحكامنا المسبقة حول المسالة .
في إطار هذا التساؤل يتنزل هذا النص للكاتب ....المقتطع من "...." والذي يعمد...(اسم الكاتب) فيه إلى البحث في حقيقة ...(المفهوم المركزي في النص/ مشكل النص).
فبأي معنى تتحدد حقيقة...؟ ( المسألة التي يتنزل في إطارها النص) هل في تحديد ... ( المسألة التي يتنزل في إطارها النص) باعتبارها...( مضمون الأطروحة المستبعدة)؟ أم بالنظر إليها ك...( مضمون الأطروحة المثبتة)؟ وهل في ربط... ( المسألة التي يتنزل في إطارها النص) ما يحقق مطلب النظر للإنسان على وجه كوني؟
للنظر في إشكالية النص نقترح تفكيك النص للعناصر التالية:
- بسط الأطروحة المستبعدة في شكل سؤال.
- بسط الأطروحة المثبتة في شكل سؤال.
- التساؤل عن قيمة رهانات الأطروحة وإمكان تحققها.
يكتسي النظر في جملة هذه القضايا أهمية من جهة خطورة تحديد دلالة ...(المفهوم المركزي في النص)، خطورة تكمن في استتباعات هذا التحديد على تعيين تصور مخصوص للإنسان وإمكانات العيش المشترك.

الجوهر:
بسط سؤال النص.( افتراض أن أطروحة الكاتب إجابة عنه)
يستبعد الكاتب أن تتحدد حقيقة... ( المسألة التي يتنزل في إطارها النص) باعتبارها ...( الأطروحة المستبعدة) وإنما تحديدها حصر في...( الأطروحة المثبتة)
فما الذي يبرر الربط بين... ( المسألة التي يتنزل في إطارها النص) و...( الأطروحة المثبتة)؟
يحيلنا النظر في دلالة...(المفهوم المركزي للنص/ مشكل النص) بداية على معاني ...( تتبع المعاني التي يوردها الكاتب في حالة بسطه لأطروحة مستبعدة بشكل مباشر، أما إن لم يفعل ذلك فنقوم باستحضار الموقف العامي من ذات المسألة). إن هذا الربط يمثل بالنسبة للكاتب ربطا غير مشروع باعتباره يقصر عن قول حقيقة...( المفهوم المركزي للنص/ مشكل النص)، إذ ...( تتبع الحجة التي يوردها الكاتب ليبرر رفضه لهذا الموقف)،ف( استشهاد من النص إن توفر).
إن هذا القصور الذي يطبع الموقف العامي من. ( المفهوم المركزي/ مشكل النص) يستوجب أن نعيد التفكير في المسألة من زاوية مختلفة.، تربط ( المفهوم المركزي/ مشكل النص)بمعاني...( المعاني التي يستعملها الكاتب لتحديد دلالة المفهوم المركزي/ مشكل النص)
سؤال تخلص
يستوجب التحديد الشرعي لدلالة...( المفهوم المركزي/ مشكل النص) ربطه بمعاني...( رصد المعاني التي يحدد من خلالها الكاتب دلالة المفهوم المركزي). إن هذا الربط ينتهي إلى الإقرار بكون ...( المفهوم المركزي للنص/ مشكل النص)يتحدد في...( أطروحة الكاتب).وهو ذات الموقف الذي ذهب إليه ...(مرجعية فلسفية تتماشى وموقف الكاتب)
يقوم هذا الإقرار على أساس ...( الحجة أو الحجج التي يعتمدها الكاتب لتأكيد موقفه)....( استشهاد من النص)
إن التأكيد على كون حقيقة... ( المفهوم المركزي/ مشكل النص) تكمن في...( بسط أطروحة الكاتب) يقوم على التسليم ب ...( المسلمة الضمنية لموقف الكاتب).
يقودنا هذا التحليل لنص...(اسم الكاتب) إلى استنتاج أول يقوم على... ( بسط أطروحة الكاتب)
القسم النقدي:
المكاسب
ينتهي بنا تحليل هذا النص لتحديد جملة المكاسب التالية:
بداية لا بد من التأكيد على طرافة موقف الكاتب وجدته، طرافة تبرز في تحديد زاوية النظر الخاصة التي تناول من خلالها مسألة...( المسألة التي يتنزل في إطارها النص) بربط ... ( المفهوم المركزي/ مشكل النص) بمعاني. ( المفهوم المركزي/ مشكل النص) بمعاني...( المعاني التي حدد من خلالها الكاتب دلالة (المفهوم المركزي/ مشكل النص).
كما يجب الوقوف عند أهمية رهانات ...( اسم الفيلسوف) التي عمل على إثباتها من خلال تناوله ل ... (المفهوم المركزي/ مشكل النص) إذ
راهن معرفيا على تجاوز الدلالة العامية الفضفاضة والغير متماسكة لمفهوم...( المفهوم المركزي للنص) من خلال ربطه ب ....( المعاني التي ربط بها المفهوم المركزي)
وراهن عمليا على التأسيس لإمكان العيش المشترك من خلال تأكيده على كونية مفهوم ...( المفهوم المركزي للنص) .

الحدود
غير أن التأكيد على أهمية هذه الرهانات لا يحول دون التظنن على موقفه من جهة التظنن بداية على المسلمة التي يقوم عليها موقفه، إذ اعتبر ...( اسم الفيلسوف) ...( مسلمة موقفه) و هو موقف لا يجد في الواقع ما يبرره إذ أن ... يثبت إلى حد بعيد أن حقيقة كذا تختلف إن لم نقل تتناقض مع ( أطروحة الكاتب).
أما الاعتراض الثاني فيتمثل في حدود موقف ...( اسم الفيلسوف) من جهة إهماله لمسألة ...( استعراض موقف مناقض لموقف الفيلسوف) .

الخاتمة
ان التفكير في منزلة الإنسان على وجه كوني في علاقة ب...( المفهوم المركزي للنص) بقدر ما ينفتح بهذا التفكير على شرف وكرامة المنزلة الإنسانية فانه يضل قاصرا عن تحديد علاقة الإنسان ب...( المفهوم المركزي للنص) من جهة إهماله النظر في ... (مضمون الموقف الفلسفي المقابل لموقف الفيلسوف الذي اعتمدناه في صياغة الحدود)


الاثنين، 20 أبريل 2009

مسألة الدولة: المكتسبات

مسألة الدولة: السيادة والمواطنة


المكتسبات:

المشكل العام للمسألة:
إذا ما كانت السيادة تتجه بطبعها نحو الاستبداد، فبأي معنى وضمن أية شروط يمكن لمفهوم المواطنة أن يمثل إمكانا لتجاوز مخاطر الاستبداد؟ وهل يمكن للحديث اليوم عن سيادة فعلية للدولة؟
تمهيد: في ضرورة الدولة
- ضرورة الاجتماع الإنساني كشرط لتحقق الإنساني في الإنسان.
- رغم أهمية هذا الاجتماع فان خطر النزاع والصراع، بسبب أنانية الأفراد، يمثل تهديدا دائما لتماسك المجتمع ووحدته.
- ضرورة توفر سلطة يكون دورها تنظيم الشأن العام وفرض احترام مقتضيات العيش المشترك.
* مفهوم السلطة
- مفهوم السلطة أشمل من مفهوم السلطة السياسية
- السلطة السياسية هي فقط أحد وجوه السلطة
- السلطة تحيل على معاني القوة والهيمنة وهي تفيد بذلك علاقة عمودية بين طرفين طرف يمتلك القوة والنفوذ فيمارس سلطة وهيمنة على الطرف الآخر.
- تتميز السلطة السياسية باعتبارها القوة التي تختص بتنظيم الشأن العام لتأمين العيش المشترك.
* مفهوم الدولة
- الدولة تتشكل من مقومين:
- 3 أركان هي الإقليم والشعب والسلطة
- السيادة داخليا وخارجيا
- مهمتها تنظيم الشأن العام
* مفهوم السيادة:
- السيادة تطلق على الدولة باعتبار انه ليس هناك من سيادة غير سيادة الدولة.
- سيادة الدولة يفيد امتلاك الدولة لسلطة مطلقة في حدود الإقليم الذي تسيطر عليه ، فتكون السيادة بذلك داخلية وخارجية.
- سيادة الدولة مطلقة لا تقبل القسمة أو الاشتراك.
- تتجلى سيادة الدولة في احتكارها لحق تشريع القوانين المنظمة للشأن العام و العمل على إنفاذ هذه القوانين وفرض احترامها.
- السيادة هي ما يجعل من ممارسة الدولة للسلطة مشروعا، فهذه السلطة تمارس باسم السيادة.
* مفهوم العنف:
- العنف يفيد استعمال القوة لإلحاق الأذى ، سواء كان معنويا أو ماديا.
- العنف يكون ماديا حين يرتبط بإحداث الأذى الجسدي ويعتمد استعمال القوة المادية.
- العنف الرمزي هو العنف الذي يعتمد توجيه الرأي العام بشكل غير مشروع من خلال المغالطة.
- العنف يكون قانونيا حين يكون في إطار الضوابط والتشريعات التي تحددها الدولة: الدولة هي الجهة التي تحتكر حق استعمال العنف الشرعي.
- العنف بقدر ما هو ضروري لحماية العيش المشترك فانه يمكن أن يؤدي للاستبداد.
* مفهوم الاستبداد:
- الانفراد بالحكم دون مشاركة أفراد الشعب أو العودة إليهم.
- ممارسة العنف والإكراه لتثبيت سلطة الحاكم.
- نظام الحكم الاستبدادي يؤدي دائما إلى تقويض أسس العيش المشترك وتعريض الدولة إلى خطر النزاعات الخارجية.
* الديمقراطية
- نظام الحكم الذي يقوم على مبدا سيادة الشعب .
- الشعب داخل النظام الديمقراطي يحكم نفسه بنفسه بطريقة غير مباشرة عبر نواب ينتخبهم بشكل حر.
الديمقراطية تستلزم التناوب في الحكم واعتبار جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات
* المواطن:
الفرد الذي ينتمي لدولة ديمقراطية يتمتع بجملة من الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية كما يلزم بجملة من الواجبات بشكل مساو لبقية المواطنين دون أي تمييز.
* المقاومة
حق الشعب في رفض الخضوع لسلطة الدولة حين تتعسف في استعمال القوة وتنتهك حقوق المواطنين الأساسية.
* المواطن العالمي
ربط حقوق الإنسان لا بالانتماء لدولة قومية يضمن لها دستورها جملة من الحقوق وإنما اعتبار تلك الحقوق تعود على الإنسان بما هو إنسان بغض النظر عن انتمائه القومي وهو ما يمثل حلا لمشاكل المهاجرين والأقليات.
* حدود السيادة
سيادة الدولة في عالمنا المعاصر محدودة بالاتفاقات الدولية كما تجعل من الدول والحكام مسئولين دوليا في حالة ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية
.

الأحد، 19 أبريل 2009

مسألة الدولة/ شعب علمية

معهد ابن رشد حي الرياض السنة الدراسية2008/2009
الأستاذ وحيد الغماري المستوى: رابعة شعب علمية

مسألة الدولة: السيادة والمواطنة

تمهيد: في ضرورة الدولة

إن تحقق الإنساني في الإنسان على نحو كوني، يفرض تجاوز الوجود الإنساني مستوى الوجود المرتبط بضمان الحاجات الضرورية، التي تضمن شروط حفظ البقاء. فتجاوز مستوى الوجود الطبيعي نحو الارتقاء إلى مستوى الوجود الإنساني يستلزم قيام مجتمع إنساني يكون للقيم في إطاره دلالة ومعنى. غير أننا سواء نظرنا إلى ضرورة الاجتماع الإنساني في علاقة بمبدأ التعاون والتقسيم الاجتماعي للعمل، أو في مستوى التأسيس لوجود ثقافي يرتبط بالقيم والمعنى، نلاحظ أن استمرار هذا الاجتماع وتماسكه وثباته يضل غير ممكنا، بسبب اختلاف وتعارض مصالح الأفراد وطباعهم وقيمهم.
يشترط تثبيت الوجود الاجتماعي تنظيم الشأن العام، ويحيلنا مفهوم الشأن العام إلى احد أبعاد الوجود الإنساني الأساسية المتمثلة في وجوده السياسي. يتحدد هذا الوجود السياسي بمقتضى تنظيم الشأن العام، أي المجال الذي تتقاطع فيه مصالح الأفراد تكاملا وتناقضا. فبقدر ما يجعلنا وجودنا الاجتماعي متعاونين متآلفين، باعتبار ارتباط مصلحتنا الخاصة بالآخرين، فان مصلحتنا الخاصة تكون دائما كذلك مقيدة بمصلحة الآخرين.
يستلزم تجاوز مجمل هذه العوائق التي تحول دون ثبات الاجتماع بما يحقق الغاية منه، توفر سلطة تكون قادرة على تنظيم الشأن العام، والتوفيق بين المصالح المتقابلة بين الأفراد بما يضمن استقرار المجتمع وتماسكه. تتحدد " السلطة بما هي البنية الأساسية للسياسي" (بول ريكور). إذ أن السلطة السياسية هي المقتضى الذي يضمن تنظيم الشأن العام. تقوم السلطة السياسية على أساس اقتران وجودها بالقوة، فهذا الاقتران هو الذي يوفر للسلطة إمكانات الفعل والتأثير القائمة على أدوات المراقبة والعقاب. دون توفر مثل هذه السلطة التي تكون قادرة على كبح جميع مظاهر العنف ومعاقبة كل من يتعدى على مقتضيات الوجود الاجتماعي يتحول هذا الوجود إلى فوضى مطلقة. على هذا الأساس يمكن تعريف الدولة من جهتين: من جهة توفرها على ثلاثة أركان هي الإقليم، والشعب، والسلطة السياسية (مؤسسات الدولة وأجهزتها من حكومة وشرطة وقضاء وجيش...) ومن جهة تمتعها بالسيادة بمعنى توفرها على سلطة وقدرة مطلقة لا تقبل القسمة ولا المشاركة ولا التجزئة بما يجعل من ممارستها للسلطة ممكنا.

1/ الدولة والسيادة
السيادة تتحدد إذا باعتبارها الخاصية المميزة لكل سلطة سياسية، وهي ما يضفي المشروعية على هذه السلطة بحيث تكون سلطة الدولة هي تجسيد لسياستها. هذا الربط بين سلطة الدولة ومفهوم السيادة هو ما يجعل من سلطة الدولة سلطة عليا ومطلقة. أن تتمتع الدولة بالسيادة فإن ذلك يعني أن هذه السيادة هي منبع السلطات الأخرى، على هذا الأساس يكون للدولة الحق المطلق في تشريع القوانين وإنفاذها دون أن تكون، في ذلك، محتاجة للرجوع إلى مبدأ غير ذاتها، ولا إلى مشروعية غير مشروعيتها الخاصة. يحيل مفهوم السيادة بذلك على معاني الهيمنة والسلطة والتحكم التي يتقوم بها وجود الدولة في إطار حدود و مجال سلطتها الواقعي والقانوني.
إذا كانت السيادة تعني داخل حدود الدولة السلطة المطلقة والعليا، المحتكرة لحق سن القوانين المنظمة لعلاقة الأفراد فيما بينهم، والسهر على فرض هيبة واحترام هذه القوانين، فهي تفيد في إطار العلاقة بين الدول استقلالية الدولة عن كل سلطة خارجية، أي عن سلطة أي دولة أخرى. وبذلك فانه لا يمكن الحديث عن دولة دون توفرها عن سيادة تامة ومطلقة بما يجعلها قادرة على بسط سلطتها وممارسة هذه السلطة في استقلالية تامة عن تأثير أو مراقبة أي دولة أخرى. يحيل مفهوم السيادة في هذا السياق على مبدأ سيادة الأمة واستقلال إرادتها في مقابل سيادة بقية الدول الأخرى.
إن هذا التحديد الأولي لمفهوم السيادة من خلال ربطه باحتكار السلطة داخل حدود الدولة، على أساس انفرادها بمشروعية تشريع القوانين وإنفاذها من جهة ، واستقلالها عن كل تأثير أو تدخل خارجي من جهة ثانية، أصبح اليوم، وفي ضل مظاهر العولمة الاقتصادية والسياسية خاصة يواجه تحديات حقيقية مع تشكل وتنامي ما أصبح يعرف بالقانون الدولي خاصة. إن سلطة الدولة وان بدت لا محدودة انطلاقا من مبدأ السيادة إلا أن الاتفاقات الدولية التي نشأ عنها القانون الدولي والمؤسسات الدولية الحقوقية جعلت من مفهوم السيادة الوطنية موضوع للمساءلة وإعادة التأسيس.
2/ السيادة ومأزق العنف

* السيادة والحاجة للعنف
يرتبط مفهوم السيادة، في حضارتنا المعاصرة، بالدولة تحديدا، إذ لا يمكن أن نربط أي وجود اجتماعي سياسيي بمبدأ السيادة، غير الحديث عن سيادة الدولة. تكون الدولة بهذا المعنى هي الجهة ، وبغض النظر عما إذا ما كانت تتحدد في شخص، أو في مؤسسة، أو في مجموعة مؤسسات منفصلة ومستقلة، ولكنها في نفس الوقت متكاملة، في احتكار فعاليتين رئيستين؛ تشريع القوانين المنظمة للشأن العام من جهة، وإنفاذ هذه القوانين ، من خلال آليات المراقبة والعقاب ، من جهة ثانية.
ترتبط الدولة، إذن بممارسة العنف ولكن العنف الذي تمارسه الدولة يضل عنفا شرعيا لا من جهة غاياته المتمثلة في ضرورته لتنظيم الشأن العام وإنما من جهة اعتباره شرعيا بالمعنى القانوني. إن عنف الدولة هو العنف الذي يبرره القانون ويفرضه. فالدولة هي الجهة التي تحتكر الحق في ممارسة العنف الشرعي حسب عبارة ماكس فيبر. هذا الربط بين الدولة والعنف يجعلها ليست غير تعبير عن علاقات الهيمنة السائدة داخل المجتمع.
يمثل العنف، كممارسة مبررة ومشروعة، الوجه الآخر للسيادة التي تؤسس لوجود الدولة، وما يجعل من ممارستها للسلطة أمرا واقعيا. حين نربط الدولة بالعنف فان المسالة لا تتعلق بشكل الدولة، باعتبار نظامها السياسي إذا ما كان مستبدا أو ديمقراطيا، وإنما بالدولة بإطلاق وبغض النظر عن هذه الفروقات. والعنف ذاته يمكن أن يتجلى ضمن وسائط متعددة سواء كان عنفا ماديا مباشرا يقوم على إلحاق الأذى المادي والمعنوي، أم كان عنفا رمزيا يقوم على توجيه الرأي العام على أساس المغالطة والتزييف والوهم. ولعل السمة البارزة لممارسة العنف اليوم تتمثل في شيوع آليات العنف الرمزي القائمة على التضليل من خلال الدور المؤثر الذي أصبحت تلعبه اليوم وسائل الإعلام بأصنافها المتعددة حتى صار هذا الشكل من أشكال العنف القائم على التضليل بمثابة العلم القائم بذاته.
يتخذ هذا العنف المنظم الذي تمارسه الدولة وجهين متمايزين ولكنهما متكاملين. فالدولة الحديثة في ممارستها لسلطتها وتثبيت هذه السلطة تستند على منظومتين من الأجهزة كما بين ذلك "ألتوسير" منظومة الجهاز القمعي وهي تتشكل من جملة مؤسسات الدولة القانونية والمتمثلة في الحكومة والإدارة وجهاز الشرطة والقضاء وهي كلها أدوات تعتمدها الدولة لتكريس ذاتها كسلطة تحتكر ممارسة العنف وتقمع كل من يحاول مشاركتها في التفرد في هذه الخاصية، أو عدم الاعتراف بسيادتها وحتى محاولة الخروج عن هذه السيادة.
غير أن الدولة الحديثة خاصة تعتمد منظومة ثانية من المؤسسات والأجهزة التي تمارس نوعا مغايرا من العنف هو العنف الرمزي. إن آليات العقاب وحتى المراقبة المباشرة لا يمكن لها أن تضمن استمرار سلطة الدولة واحترام سيادتها ما لم تعمد إلى تشكيل أو إعادة تشكيل وعي الأفراد على النحو الذي يجعلهم يقبلون بسلطة الدولة على أساس كونها تتوفر على السيادة. يتعلق الأمر في هذا المستوى بمفهوم الايدولوجيا كما صاغته "الفلسفة الماركسية". تتمثل الايدولوجيا في مجموع الأفكار والمعتقدات والمفاهيم التي تسعى الدولة(باعتبارها ممثلة لمصالح طبقة اجتماعية محددة) لجعلها تبدو في الأذهان بمثابة حقائق مقبولة لا يمكن التشكيك فيها أو الخروج عنها. تعتمد الدولة في تشكيلها لهذا الوعي الزائف على مجموعة من الأجهزة التي قد لا تبدو مرتبطة ضرورة بالدولة ذاتها كالمؤسسة الدينية والمدرسة ووسائل الإعلام والمنظمات والأحزاب.... على هذا الأساس تتحدد الايدولوجيا باعتبارها أقسى أشكال العنف نظرا لقدرتها الفائقة على المغالطة حين تتحول المراقبة إلى مراقبة ذاتية.
ليس العنف بالوسيلة أو الأداة الوحيدة التي تؤمن من خلالها الدولة سيادتها وتتيح لها إمكان ممارسة سلطتها غير أن العنف مع ذلك يبقى وسيلتها الخاصة.
بقدر ما يضل اعتماد العنف مبررا باعتباره أحد الشروط الرئيسية التي بمقتضاها يمكن ضمان أقصى ما يمكن من مستلزمات العيش المشترك، فإن ارتباط الممارسة السياسية بالعنف يضعنا في مواجهة جملة من الاحراجات. فممارسة العنف في ضل مطلب تثبيت وتكريس سيادة الدولة وأحقيتها بالانفراد بممارسة السلطة السياسية يمثل قطعا خطرا وتهديدا لمصير الأفراد الخاضعين لها، ذلك أن العنف هو عنف موجه بداية ضدهم، وبغض النظر عن مبرراته. وحتى في حالة القبول بربط سيادة الدولة بأحقيتها باستعمال العنف باعتباره عنف شرعيا فان السؤال عن حجم ومدى العنف المسموح به يضل قائما على نحو جدي.
حتما، إن كل عنف يمكن أن بصدر عن الأفراد بما يهدد العيش المشترك، من الواجب مجابهته بعنف مضاد لردعه، غير أن السؤال عن حجم العنف المناسب في مقابل هذا العنف الأول يضل سؤالا وجيها. إن مجموعة من المشجعين لفريق كورة قدم حين يبادرون للعنف كتعبير عن عدم رضاهم على قرارات حكم مباراة هو فعل وان كان لا يهدد بجد العيش المشترك فانه يضل فعلا غير مقبول يجب مواجهته، إلا انه في هذه الحالة يستوجب الأمر أن نتساءل هل يجب إن نواجه هذا العنف بعنف مماثل في الدرجة؟ أم بكمية أكثر أو اقل؟
يحيلنا هذا التساؤل إلى إحراج حقيقي يتعلق لا بشرعية العنف وضرورته، إذ أن مبدأ السيادة ذاته يفترضه، وإنما إلى التساؤل عن حدوده ومداه. ذلك أن كل تعسف في استعمال القوة والعنف حتى وان كان في إطار قانوني بما يضفي عليه شرعية، يجعل من السيادة ذات طابع إطلاقي يربطها بالاستبداد، فينفي عن ممارسة السلطة المرتبطة بها كل مشروعية بافتقادها لمعيار الحق.
يحيلنا التحليل السابق إلى مفارقة أولى: إن ضمان العيش المشترك بما هو مطلب كل ممارسة سياسية ، وبما هو مبرر مبدأ السيادة ذاته يفترض العنف وسيلة وأداة، أ فليس من المفارقة إذن إن يكون شرط ضمان العيش المشترك بما هو قيمة أخلاقية عليا تؤسس للوجود الإنساني وتضفي عليه بعدا كونيا مشروطا باستعمال العنف والإرغام؟ أ لا يحيلنا الوجود السياسي للإنسان في نهاية الأمر إلى مفارقة، حسب صياغة بول ريكور، تتمثل في التقابل بين موقف الإنسان المبدئي الرافض للعنف أخلاقيا من جهة في حين أن وجوده السياسي مقترنا بالعنف؟
إن هذا المأزق بين تحديد لأفق الاجتماع الإنساني القائم على استهجان العنف من جهة وربط سيادة الدولة بممارسة العنف يضعنا في مواجهة مأزق نظري عملي في آن واحد يتعلق بالتساؤل عن مشروعية ربط مبدأ السيادة بالعنف.
فبأي معنى تمثل السيادة المطلقة والغير مقيدة، والقائمة على اعتماد العنف استبدادا يتنافى ومعيار الحق، وكونية الوجود الإنساني.

* السيادة والاستبداد
تحيلنا دلالة مفهوم سيادة الدولة في علاقة بمسالة العنف، حين نتناول السيادة بما هي سيادة داخلية، إلى مبدأ السيادة باعتبارها مطلقة وغير مقيدة بحيث تكون إرادتها فوق كل إرادة أخرى سواء تعلق الأمر بإرادة جهة معنوية أو بإرادة شخص مادي. بذلك تكون السيادة مصدرا لسلطة مطلقة بحيث لا تخضع هذه السلطة إلا لذاتها، وهو ما يفيد على صعيد الممارسة العملية أن هذه السيادة تحتكر على نحو كامل لا يقبل المشاركة التشريع للقوانين المنظمة للشأن العام كما إنفاذ هذه القوانين وفرض احترامها. وهو ما يعني أن السلطة التي تنبثق عن هذه السيادة هي سلطة مطلقة لا تقبل القسمة أو المشاركة.
إن هذا الربط بين السيادة والسلطة المطلقة التي لا تقبل القسمة أو المشاركة ينتهي بنا إلى مفهوم الاستبداد باعتباره شكل السلطة السياسية المنبثق عن سمات السيادة هذه. يتعين الاستبداد هنا بما هو الحكم الذي يقوم على التفرد بالسلطة بشكل مطلق ولا يقبل مشاركة من أي طرف آخر في إدارة الشأن العام على نحو قطعي.
لا يرتبط الاستبداد بشكل محدد للدولة ولشكل نظام الحكم فيها، فقد يتعين في صورة شخص يكون ملكا أو أميرا أو زعيما، ويمكن أن يتعين في نظام حكم ملكي أو جمهوري، ويمكن أن يستند لشخصية الزعيم الملهم أو الحزب الواحد، ولكننا في كل الحالات أمام أشكال وصور متعددة لوجه واحد هو وجه الاستبداد. غالبا ما لا يقدم المستبد نفسه على أساس كونه مستبدا وإنما يقوم بالتشريع لسلطته المطلقة من خلال مبررات ودعاوي أخلاقية تتعلق بتحقيق الأمن وخدمة المصلحة العامة وتوفر المستبد على خصال استثنائية وتحديد أولويات تنظيم الشأن العام ترتبط باختيارات تتقابل في إطارها مطالب التنمية والأمن الداخلي أو الخارجي مع مطالب الحرية.
بغض النظر عن تطور أشكال الاستبداد، وتنوع مبرراته، فان سمته الجوهرية تضل ذاتها إذ تتعلق بغياب فكرة المواطنة وتحديدا منع وإقصاء الأفراد عن المشاركة في إدارة الشأن العام سواء تعلق الأمر بتحديد الاختيارات العامة المنظمة للشأن العام أو التشريع للقوانين المنظمة للعيش المشترك.
أما السمة الثانية الجوهرية المتعلقة بكل نظام استبدادي فتتعين في غياب المراقبة إذ لا تخضع سلطة المستبد لأي شكل من إشكال المراقبة على ممارسته السلطوية تشريعا وإنفاذا باعتبارها سلطة أولى لا سلطة فوقها.
إن غياب مفهوم المواطنة وتغييب الأفراد من مجال المشاركة السياسية من جهة، وغياب جميع أشكال المراقبة عن سلطة المستبد بما يجعل منها سلطة غير مقيدة، ينزع عن هذا النمط من السلطة كل مشروعية، نظرا لافتقاد السيادة التي تتأسس عليها هذه السلطة لمشروعية الحق وتؤسسها على مشروعية القوة.
إن نظام حكم استبداديا يختزل السيادة في شخص الحاكم أو الحزب الواحد، ينتهي تهديدا لإمكان العيش المشترك بتهديده ونقضه لرهانات مطلب العيش المشترك. ليس العيش المشترك غاية في حد ذاته، وإنما هو المقتضى الذي يوفر شروط ارتقاء الوجود الإنساني إلى مستوى الوجود الكوني. تتمثل شروط هذا الارتقاء في احترام ايتيقا التعايش مع الآخر القائمة على الاعتراف المتبادل والتعاون والحوار وفق مقتضيات العقل، غير أن نظاما استبداديا حين ينزع إلى اعتماد العنف غاية ووسيلة وقمع الحرية والحق في الاختلاف واسترقاق المواطنين وحجب صفة النضج والعقل عنهم من خلال الحكم بعدم أهليتهم في المشاركة في تسيير الشأن العام إنما هو انحطاط بالوجود البشري إلى مستوى الوجود الحيواني القائم على توفير شروط ضمان البقاء المادية لا غير. كما دلت التجربة التاريخية أن كل نظام مستبد يضخم بشكل لا نهائي من سيادته مقابل شعبه إنما ينتهي إلى كوارث حقيقية ترتبط بمغامرات الحرب والعنف ضد الدول الأخرى وما ينتج عنه من دمار متبادل يعرض الوجود الإنساني إلى مخاطر الفناء المادي والفعلي.
إن ربط السيادة بالعنف والاستبداد، وبغض النظر عن كل مبررات هذا الربط يستوجب إعادة النظر في مفهوم السيادة ذاتها من جهة مراجعة حدود هذه السيادة، من خلال تعيين حدود ذاتية للسيادة تنبع من مقتضياتها وأسسها ذاتها. في هذا الإطار تتنزل محاولات عدد من المفكرين منذ بدايات العصر الحديث في محاولاتهم إعادة التفكير في حدود والتزامات السيادة.
3/ السيادة والمواطنة

إن جميع أشكال الاستبداد تجد أساسها في فهم محدد لدلالة السيادة يتقوم باعتبارها مطلقة لا تقبل القسمة ولا المشاركة، وبالتالي فان من يمتلك السيادة يمتلك سلطة مطلقة، غير مقيدة وغير محدودة. سواء تعلق الأمر بشواهد التاريخ، وارتباط الحروب والنزاعات بالأنظمة الاستبدادية، أو عودة على قيم العقل الإنساني المطلقة والخالدة المتمثلة في الحق والخير فإننا نجد أنفسنا مجبرين على إعادة التفكير في مفهوم السيادة من جهة التضنن على تعريفها الملتبس الذي يتصورها مطلقة لا حد لها.
نشأ الفكر السياسي الحديث على أساس مراجعة مفهوم السيادة من جهة تحديدها وتقييدها ذاتيا بمعنى أن تجاوز جميع أشكال الاستبداد يستوجب تقييد السيادة ذاتها من داخلها من جهة ضبط أسسها بشكل يجعل من السلطة المنبثقة عنها سلطة مقيدة بمقتضيات السيادة ذاتها. إن لحظة القطع الحقيقية التي أذنت بميلاد التفكير الفلسفي الحديث في الدولة ارتبط بمرجعية فلسفية وقانونية أصطلح على تسميتها بفلسفة "العقد الاجتماعي".
تحيلنا فلسفة "العقد الاجتماعي" على جملة من الفلاسفة أهمهم جون لوك وروسو وسبينوزا وهوبس. رغم أهمية الاختلافات في مواقف هؤلاء الفلاسفة، والى حد التناقض أحيانا، فان ذلك لا ينفي تقاطعهم حول فكرة رئيسية مثلت أساسا لنشأة الدولة في صيغتها وشكلها المعاصر. يتجلى هذا التقاطع بين هؤلاء الفلاسفة في مبدأين أساسيين:
- ربط التفكير في الدولة بدراسة الطبيعة الإنسانية وضعيا، بحيث تكون نشأة الدولة ناتجة عن خصوصية الطبيعة الإنسانية ذاتها. إن هذه العودة لدراسة الطبيعة الإنسانية في تحديد أسس الدولة مثل قطعا مطلقا مع التفكير اللاهوتي الذي كان يربط التفكير في الدولة بحقائق متعالية ومتجاوزة للوضع الإنساني. يفترض فلاسفة العقد الاجتماعي وجودا أول للإنسان تغيب عنه كل أشكال السلطة فيكون هذا الوضع "حالة الطبيعة". ترتبط هذه الحالة بالعنف والصراع الناتج عن غلبة الأهواء وتناقض مصالح الأفراد بما يهدد الحياة الإنسانية. إن وضعا مثل هذا يضل وضعا مناقضا لما يقره العقل كما طبيعة الإنسان التي تجعل من الحياة قيمة قصوى لا يمكن المغامرة بها بما يفرض على هؤلاء الأفراد البحث عن مخرج يجنبهم خطر الموت العنيف. يكون اتفاقهم لتجاوز هذا الخطر هو إنشاء دولة تكون مهمتها تيسير العيش المشترك.
- اعتبار الدولة اصطناعا وإنشاء إنسانيا فهي قد نشأت بإرادة وفعل الإنسان، هذه الإرادة التي تجلت في العقد الاجتماعي، بما هو عقد إرادي واختياري. فالوعي بخطورة استمرار حالة الحرب المميزة لحالة الطبيعة يدفع هؤلاء الأفراد إلى إبرام اتفاق يلتزم خلاله كل عضو على التخلي عن حقوقه الطبيعية وخاصة حقه في حماية مصالحه بنفسه وحقه في استعمال العنف للدفاع عن مصالحه لصالح الدولة التي ستنشأ عن هذا العقد بشرط تخلي كل فرد عن نفس الحقوق. فسيادة الدولة محكومة بذلك ببنود العقد ذاته التي تتحدد في نسق روسو مثلا بحماية الحريات المدنية والحفاظ على المصلحة العامة، ليكون مبرر طاعة الدولة والاعتراف بشرعية سيادتها هو احترامها لالتزاماتها.
إن هذا التأسيس لسيادة الدولة على أساس احترام الحريات وحماية المصلحة العامة يحدث تحولا جوهريا في منزلة الإنسان داخل الدولة الحديثة إذ يتحول الفرد من منزلة الرعية الذي تتحدد علاقته بالحاكم بالخضوع والإلزام إلى منزلة المواطنة القائمة على المشاركة في الحكم والطاعة للقانون المبنية على أساس أن المواطن ذاته مصدر القوانين التي تشرع باسمه كأحد أفراد الشعب.
هذا الانتقال من مفهوم الرعايا إلى مفهوم الشعب يحيلنا على نظام الحكم الديمقراطي المبني كما أسلفنا على سيادة الشعب. تتحقق هذه السيادة من خلال جملة من الآليات تقوم على اعتبار الفرد مواطنا يتمتع بجملة من الحقوق الأساسية أهمها حقه في المشاركة في الحياة السياسية انطلاقا من الحق في الترشح للمناصب العامة والحق في اختيار ممثليه من خلال الانتخاب الحر والنزيه.




4/ الديمقراطية وحق المقاومة

بقدر ما يمثل النظام الديمقراطي حلا لمأزق العنف والاستبداد من خلال تأسيس السيادة على مبدأ سيادة الشعب فيكون الشعب مصدر السيادة من جهة كونه المشرع للقوانين المنظمة للعيش المشترك عبر التمثيل النيابي ومن جهة كون الحكومة التي تسهر على تطبيق وفرض احترام القانون يختارها الشعب ذاته وتعبر بذلك عن الإرادة العامة فان النظام الديمقراطي لا يخلو ذاته من مشاكل عديدة بما يجعل من قيم الحرية والعدل محل سؤال.
إن النظام الديمقراطي يفيد سلطة الشعب، سلطة غير مباشرة من خلال ممثليه في السلطتين التشريعية والتنفيذية الذين يختارهم المواطن. غير أننا هنا نقع في مأزق ذا وجهين:
- فمن جهة أولى يفترض النظام الديمقراطي حق الأغلبية في القيادة والحكم وهو ما يعني إن كل عملية انتخابية تنتهي ضرورة إلى إقصاء وتهميش عدد من المواطنين الذين لم يساهموا في اختيار الحاكم وهو يجعل من علاقتهم مع هذه السلطة المنتخبة قائمة على الخضوع لإرادة الأغلبية ومصادرة حقهم في المشاركة في السلطة. يصبح مثل هذا الوضع خطيرا حين تكون هذه الأقلية 49 في المائة من مجموع المنتخبين فيكون النظام الديمقراطي سببا لتغييب نصف المواطنين تقريبا من المشاركة في السلطة.
- أما من جهة ثانية فاعتبار أن مشروعية الحاكم تكمن في حصوله على أغلبية الأصوات لا يجعل من حكمه ،ضرورة حكما شرعيا من جهة الحق والمعايير الأخلاقية إذ إن التاريخ قد أوضح لنا بشكل جازم أن الأغلبية يمكن تحت تأثير المغالطات والتزييف والشعور القومي المتطرف أن تكون سببا في قيان أنظمة حكم لا أخلاقية ولا إنسانية تمثل خطرا حقيقيا على الأمن والسلم داخليا وخارجيا.
إن التأكيد على أهمية وضرورة التمسك بالنظام الديمقراطي كشكل للحكم يحقق غايات العيش المشترك ضمن مقتضيات الحق لا يعني مطلقا أن القبول بالخضوع لمقتضيات الممارسة السياسية داخل النظام الديمقراطي يفيد خنوعا وسلبية تجعل المواطن بجميع أشكال التعدي على حقوقه الأساسية باسم حكم الأغلبية أو المصلحة العامة. الأساس النظري الذي يقوم عليه مفهوم السيادة والمتمثل في نظرية العقد الاجتماعي هو ذاته الذي يجعل من مقاومة ورفض الخضوع لجميع إشكال التعدي على الحقوق المدنية ذاته ضروريا. إن العقد يقوم على أساس التزامات متبادلة فكما يكون المواطن ملزما باحترام سيادة الدولة فان الدولة ذاتها تكون ملزمة باحترام حقوق الإنسان لذلك فان إخلال الفرد بالتزاماته كما يلزم وقوعه تحت طائلة العقاب القانوني فان إخلال الدولة يجعل من الفرد حلا من الاعتراف بطاعة الدولة ومقاومة سلطتها المتعسفة.
تخذ هذه المقاومة أشكال متعددة إذ يمكن أن تكون مقاومة سلمية ترتبط باللاعنف الايجابي كما تجسد في مقاومة غاندي للاستعمار الانكليزي لبلاده.
الشكل الثاني من المقومة والذي يميز الممارسة السياسية المعاصرة هو ما أصبح يعرف بمقاومة الحشود أي حركات الاحتجاج الشعبي الضخمة التي تعمد إلى محاصرة المؤسسات العامة وقطع الطرق الرئيسية والامتناع عن العمل وسط تغطية إعلامية كبرى تمنع ممارسة العنف الشديد من قبل السلطة ضد المتظاهرين .
في كل الحالات يبقى الحق في المقاومة حق مطلق للمواطن في كل حالة تخل فيها الدولة باستحقاقاتها المتمثلة في ربط السيادة بالشعب.
4/ المواطن العالمي

تكمن أهمية الربط بين السيادة وسلطة الشعب واعتبار أن الشعب مصدر السيادة داخل نظام حكم ديمقراطي، في تأكيد أولوية وقداسة حقوق المواطن باعتباره شريكا فاعلا في تنظيم الشأن العام من خلال الإقرار بجملة من الحقوق الأساسية التي لا يمكن مجاوزتها بأي حال. إن الدولة الديمقراطية هي الدولة التي تضمن لمواطنيها جملة من الحقوق المدنية تتنوع مابين حقوق سياسية واجتماعية وثقافية تسهم جميعها في ضمان كرامة الفرد احترام شخصه بعيدا عن كل أشكال التعسف والوصاية.
غير أن ما يجب ملاحظته أن جملة هذه الحقوق التي يكتسبها الفرد داخل نظام الحكم الديمقراطي إنما يستمدها باعتبارها مواطنا يقر دستور البلاد التي ينتمي إليها مجمل هذه الحقوق. ترتبط حقوق الإنسان إذن بالمواطنة كانتماء قومي لدولة يعينها. إن هذا الربط بين حقوق الإنسان والمواطنة في علاقتها بالهوية القومية يثير جملة من الاحراجات الأساسية.
- يتعلق الإحراج الأول بوضعية الأقليات التي لا تحمل نفس الهوية الثقافية للأغلبية من المواطنين. إن مثل هذا الوضعية غالبا ما ينتهي إلى وضعية إقصاء وتهميش لهذه الأقليات باعتبار أن قانون الأغلبية يمنعها من إمكان المشاركة الفعلية في إدارة الشأن العام.
- يتعلق الإحراج الثاني بوضع المهاجرين لدول غير دولتهم الأصلية. إن هذه الوضعية غالبا ما تكون مقترنة بتهميش الجاليات المهاجرة وتعرضها للعنصرية باعتبار أن عدم حملها لجنسية الدولة التي تقيم فيها، يحرمها من الكثير من الحقوق التي يتمتع بها فقط المواطنون .
هذا الربط بين الحقوق والمواطنة وفي ضل التحولات التي يعرفها عالمنا المعاصر المرتبطة بتنامي ظاهرة الهجرة لأسباب متعددة، وخاصة اقتصادية، جعل من مراجعة هذا الربط ضروريا. تتمثل هذه المراجعة خصوصا في تجاوز الربط الضروري بين حقوق الإنسان والمواطنة على أساس ربط هذه الحقوق بحقوق الإنسان. تكمن أهمية هذا الربط في تأسيس هذه الحقوق على وجه مطلق وكلي يربط بين الحقوق والإنسان ليس باعتباره مواطنا في دولة ما ولكن باعتباره إنسانا بغض النظر عن كل انتماء قومي أو ثقافي. بذلك فانه سواء تعلق الأمر بمواطن أو بأقلية ثقافية أو بمهاجر فان التمتع بالحقوق يكون لازما من الانتساب للإنسانية لا غير وهو ما نصت عليه مواثيق الأمم المتحدة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

5/ السيادة في ضل العولمة

يفترض القانون الدولي أن كل الدول تتمتع من حيث المبدأ بالسيادة على أساس المساواة الكاملة، وتمتع كل دولة باستقلالها التام، بما يفرض أن تكون العلاقة القائمة بين الدول قائمة على أساس احترام كل دولة لسيادة الدول الأخرى وامتناعها عن التدخل في شؤونها الخاصة، وهو ما يعبر عنه بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
إذا ما كان من المفترض في العلاقات الدولية أن تقوم على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية فان القانون الدولي ذاته يفرض على هذه الدول الالتزام بالاتفاقات الدولية التي تمضيها وتصبح ملزمة لها. تصبح هذه الاتفاقات بمثابة القيود التي تحد من سيادة الدول. ان هذه الاتفاقات أصبحت في عصرنا أكثر حضورا وأكثر تضييقا لسيادة الدولة من جهة بروز منظمات واتفاقات تجعل من سلطة بعض المنظمات أعلى من سلطة الدولة ذاتها . فسواء تعلق الأمر بالحق في التدخل لأسباب إنسانية، أو ملاحقة مجرمي الحرب ... فان سيادة الدولة تفتقد لصفة الإطلاق، وتصبح محدودة بحدود القانون الدولي.
بقدر ما يمثل هذا الحد من سيادة الدولة عاملا ايجابيا في حماية حقوق الإنسان وملاحقة مجربي الحرب والقائمين بجرائم التعذيب أو ضد الإنسانية فان تدخل العوامل والمصالح السياسية لبعض الدول بحيث تضخم من بعض الحوادث لتهمل النظر في وقائع وجرائم لا تقارن في خطورتها وانتهاكها لكل القيم الإنسانية يجعل من السؤال عن هذا الاتجاه المتنامي في التأسيس لمبدأ التدخل في الشؤون الداخلية للدول محل سؤال.

الخميس، 16 أبريل 2009

الجسر



مشيا على الأقدام،

أو زحفا على الأيدي نعود

قالوا..

و كان الضخر يضمر

و المساء يدا تقود ..

لم يعرفوا أن الطريق إلى الطريق

دم و، مصيدة ،و بيد

كل القوافل قبلهم غاصت،

و كان النهر يبصق ضفّتيه

قطعا من اللحم المفتت،

في وجوه العائدين

كانوا ثلاثة عائدون:

شيخ، و ابنته، وجندي قديم

يقفون عند الجسر..

كان الجسر نعاسا، و كان الليل قبّعة

و بعد دقائق يصلون ،هل في البيت ماء؟

و تحسس المفتاح ثم تلا من القرآن آيه ...)

قال الشيخ منتعشا: و كم من منزل في الأرض

يألفه الفتي

قالت: و لكن المنازل يا أبي أطلال!

فأجاب: تبنيها يدان ..

و لم يتم حديثه، إذ صاح صوت في الطريق: تعالوا!

و تلته طقطقة البنادق ..

لن يمرّ العائدون

حرس الحدود مرابط

يحمي الحدود من الحنين

(أمر بإطلاق الرصاص على الذي يجتاز

هذا الجسر. هذا الجسر مقصلة الذي رفض

التسول تحت ظل وكالة الغوث الجديدة

و الموت بالمجان تحت الذل و الأمطار، من

يرفضه يقتل عند هذا الجس، هذا الجسر

مقصلة الذي ما زال يحلم بالوطن )

الطلقة الأولى أزاحت عن جبين اللليل

قبعة الظلام

و الطلقة الأخرى..

أصابت قلب جندي قديم

و الشيخ يأخذ كف ابنته و يتلو

همسا من القرآن سورة

و بلهجة كالحلم قال:

_عينا حبيبتي الصغيرة،

لي، يا جود، ووجهها القمحي لي

لا تقتلوها، و اقتلوني

(كانت مياه النهر أغزر.. فالذين

رفضوا هناك الموت بالمجان أعطوا النهر لونا آخرا.

و الجسر، حين يصير تمثالا، سيصبغ_ دون

ريب_ بالظهيرة و الدماء و خضرة الموت

المفاجيء)

..و برغم أن القتل كالتدخين ..

لكنّ الجنود "الطيبين".

الطالعين على فهارس دفتر ..

قذفته أمعاء السنين .

لم يقتلوا الاثنين..

كان الشيخ يسقط في مياه النهر

و البنت التي صارت يتيمه

كانت ممزقة الثياب ،

وطار عطرك الياسمين

عن صدرها العاري الذي

ملأته رائحة الجريمة

و الصمت خيم مرة أخرى ،

و عاد النهر يبصق ضفتيّه

قطعا من اللحم المفتت

..في وجوه العائدين

لم يعرفوا أن الطريق إلى الطريق

دم و مصيدة. و لم يعرف أحد

شيئا عن النهر الذي

يمتص لحم النازحين

(و الجسر يكبر كل يوم كالطريق،

و هجرة الدم في مياه النهر تنحت من حصى

الوادي تماثيلا لها لون النجوم، و لسعة الذكرى،

و طعم الحب حين يصبر أكبر من عبادة)


محمود درويش

الدولة : السيادة والمواطنة

التمهيد
إن كل تفكير في الإنسان على النحو الذي يضمن مقاربته على وجه كوني يستلزم النظر في مستوى وجوده المرتبط بالممارسة، وما يحيل عليه هذا الربط من إحالة على مستوى الوجود مع الآخر،لا في سياق المقاربة الأنطولوجية الميتافيزيقية،على أهميتها وضرورتها،وإنما في إطار وجوده الواقعي كما يتحدد في مقتضيات الوجود الاجتماعي. ما يجعل من هذا الإقرار مشروعا؛ أي الربط بين تحديد الإنساني في الإنسان و الوجود الاجتماعي، هو ما يثبته النظر في الوضع الإنساني من كونه وجود اجتماعي ضرورة إذ لا يمكن تصور وجود إنساني فردي منعزل عن كل سياق اجتماعي. لا يتعلق الأمر بمجرد ضرورة نظرية ولكن ذلك ما يثبته الواقع على نحو بين لا يحتمل المجادلة.
يعود هذا الربط بين تحقق الإنساني في الإنسان ووجوده الاجتماعي إلى تعذر توفر شروط حفظ البقاء بالنسبة للإنسان كفرد باعتبار عجزه عن توفير مختلف حاجاته التي يتحقق بها حفظ البقاء . هذا العجز والمحدودية التي تطبع وجوده البيولوجي والفيزيولوجي من جهة وتعدد حاجاته وتنوعها وتطورها من جهة ثانية ،هو ما يفرض حاجته للأخر من أجل التعاون في توفير هذه الحاجات.
عن الحاجة للتعاون ينشأ الاجتماع الإنساني ويتطور من مستوى الوجود الضيق المحدود بالأسرة والقبيلة لمستوى المجتمع الكبير. غير أن المفارقة التي يثيرها هذا الاجتماع تتمثل في التالي؛ ذلك أنه بقدر ما يبدو هذا الاجتماع ضروريا لاستمرار الوجود الإنساني حتى في حدوده الدنيا ،فان انتظام هذا الاجتماع وبالتالي إستمراريته، ليس تلقائيا ولا ثابتا. وبعبارة أخرى فبقدر ما يكون هذا الاجتماع ضروريا وبقدر حاجة الفرد لكل واحد من الآخرين؛ فان استمرار هذه العلاقة بين مجموع الأفراد ،على النحو الذي يحقق الغاية من اجتماعهم،أي التعاون،تحف به أخطار عديدة ، سواء كانت خارجية؛ بسبب ما يمكن أن يتعرض له هذا المجتمع من تهديدات خارجية من طرف مجتمعات أخرى، أو خاصة؛ من تهديدات داخلية تتحدد، أساسا،في إمكان تعارض مصالح الأفراد بما يهدد بتصدع هذه الوحدة ،وما يمكن أن ينتج عن هذا التصدع من مخاطر تحول دون تحقق الفائدة المفترضة من هذا الاجتماع.
تكمن مخاطر انحلال الوجود الاجتماعي في كون مثل هذا الواقع ينتهي بالإنسان إلى مستوى الوجود الحيواني القائم على الفردية والجزئية والخضوع المطلق لنظام الطبيعي، وهي كلها معطيات تتقابل مع محددات الإنساني في الإنسان القائمة على ما هو كوني وكلي. بذلك يكون تحديد الإنساني على وجه كوني يستوجب وجودا اجتماعيا قائما على الوعي بضرورة هذا الوجود وخاصة الوعي بضرورة توفير شروط استمرارية هذا الوجود من خلال العمل على توفير شروط تماسك الوجود الاجتماعي.
تتحدد شروط تثبيت استمرارية المجتمع، بما يحقق كونية الوجود الإنساني، في إطار وجود مدني سياسي، بحيث، يستوجب الأمر، توفر شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي الذي يكون قادرا على تنظيم علاقة الأفراد قيما بينهم. يتعلق الأمر إذن بمسألة "تدبير الشأن العام" في مقابل الشأن الخاص.لا يعني هذا التقابل، ضرورة، وجود تناقض بين المجالين، ولكنه يفيد في كل الحالات أن التباس العلاقة بين المجالين هو الذي يوجب تحديد قواعد وضوابط تمكن من تثبيت الوجود الاجتماعي للإنسان بما هو بما هو مقتضى تحقق الكوني فيه.
إذا كان تدبير الشأن الخاص يحيل على مستوى الوجود الفردي الضيق، بما يربط تدبير هذا الشأن بالقدرة على اتخاذ القرارات المتوافقة مع المصلحة الشخصية، بغض النظر عن أي مقتضى يتجاوز حدود هذه المصلحة، فإن مجال الشأن العام يتعلق بتدبير المجال الذي لا يمكن أن نتخذ في قرارات بشكل فردي بما أن وجودنا ومصالحنا مقيدة بوجود ومصالح الآخرين.مفهوم الشأن العام يعني بذلك المجال الذي يتقاطع ضمنه وجود المجموعة ومصيرها ،سواء عاد هذا التقاطع على اشتراك في المصالح الاقتصادية،أو اشتراك في الهوية الثقافية، وفي نفس الوقت يكون الشأن العام هو المجال الذي تتناقض فيه ذات المصالح . إن هذا التقاطع سواء فيما يحيل عليه من وحدة أو تخارج وتباين هو الذي يجعل من تنظيم إدارة الشأن العام ضرورة.
تحيلنا مسألة تدبير الشأن العام على مستوى الممارسة السياسية باعتبارها الممارسة التي موضوعها تدبير هذا الشأن الإنساني، بذلك يكون موضوع هذه الممارسة هو تنظيم الفضاء المشترك وبعبارة أخرى تنظيم العلاقة بين مجموع الإفراد بما يسمح بجعل التقاطع الموجود بين مصالح ومشاغل وهواجس الإفراد لا تقوم على التقابل وإنما التكامل.
يخضع تنظيم هذه العلاقة إلى وجود سلطة سياسية تكون مهمتها إدارة الشأن العام والتحكم فيه من خلال توفرها على السيادة التي تجعل من انجاز هذه المهمة ممكنا. يتعلق الأمر إذا في نهاية المطاف بمسالة السيادة التي يقوم على أساسها إمكان تنظيم الشأن العام بما يمكن من تحقيق الإنساني في الإنسان باعتبار إن السيادة هي المبدأ الذي يجعل من ثبات الاجتماع الإنساني واستقراره ممكنا بما يحقق الكوني لا كمطلب وإنما كواقع متحقق.
إذا ما كان وجود سيادة تنظم الوجود الاجتماعي لا يحتمل في إطار الافتراضات السابقة التشكيك أو التضنن ،فان تحديد دلالة السيادة ذاتها وأسسها وغاياتها ومقاصدها كما آليات إنفاذها يضل مع ذلك موضوع لتساؤلات متعددة بتعدد الإاحراجات التي تثيرها المفارقات المرتبطة بمفهوم السيادة تنظيرا وواقعا.
تعود هذه المفارقات تحديدا على ما يشق مفهوم السيادة ذاته من تناقض بين مقتضى إدارة الشأن العام على أساس غائية المصلحة العامة من جهة وطبيعة السلطة التي تقوم عليها السيادة من جهة ثانية بما هي مقترنة بالقوة والهيمنة. إذ كيف يمكن لممارسة تقترن بالسلطة التي تمارس على الأفراد، أن تكون أساسا لخدمة الشأن العام، بما يخدم مصلحة الأفراد في نهاية الأمر؟ يتعلق وجه الحرج الأساسي المرتبط بكل ممارسة سياسية فالتساؤل أولا عن ضرورة وجود هذه السلطة السياسية كما تتجلى في السيادة؟ وثانيا، وهو الأهم ما الذي يجعل من الأفراد يقبلون، بل وحتى يطلبون قيام هذه السلطة بما تقوم عليه من سيادة تنتهي في كل الحالات إلى الحد من حرياتهم وتضييق مصالحهم الخاصة مقابل تضخيم مجال المصلحة العامة؟

تشترط مقاربة جملة هذه التساؤلات، والنظر في مدى وجاهة ادعاء انبنائها على مفارقة حقيقية، تضع وجود الفرد في تقابل مع مبدأ السيادة، أن ننظر في دلالة مفهوم السيادة ذاتها، باعتبار أن مفهوم السيادة هو جوهر كل دولة، بغض النظر عن شكل هذه الدولة، وأساس مشروعيتها . بعبارة أخرى فان كل تفكير في الشأن العام في علاقة بمسألة الدولة يرتبط بإشكال السيادة من حيث تعريفها وإبراز حدودها وأساس مشروعيتها.




1/السيادة والسلطة والمشروعية

إن الانتقال من مستوى الوجود الفردي والشخصي والجزئي، إلى مستوى الوجود المدني السياسي هو المقتضى الذي يتحقق به وجود الإنسان على وجه كوني. هذا الانتقال هو الذي يسمح، تحديدا، بالقطع مع مستوى الوجود الطبيعي المباشر المحكوم بمقتضى الحاجة البيولوجية إلى مستوى وجود، مختلف كليا، يقوم على انتظام اجتماعي مدني سياسي يتحقق ضمنه تحرر الإنسان من الضرورة الطبيعية ليدخل مجال الضرورة الاجتماعية. تتحدد هذه الضرورة الاجتماعية في ضرورة "العيش المشترك"ضمن قواعد ومقتضيات تجعل من العيش المشترك حافزا للاجتماع الإنساني، وليس عبئا، على الفرد احتماله رغما عنه.
يقتضي ضمان العيش المشترك توفر سلطة يكون بمقدورها تنظيم العيش المشترك ورعايته، بمعنى تثبيت المقومات التي تجعل من العيش المشترك مطلبا وليس عبئا. وهو ما يجعل من وجود سلطة تتوفر على آليات تمكنها من تثبيت مطلب العيش المشترك، و سواء ارتبطت هذه الآليات بأدوات المراقبة، أو بأدوات العقاب، فإنها ضرورة تجد مبررها في ذاتها.
يتعلق ضمان العيش المشترك ضرورة بوجود سلطة يكون موضوعها الشأن العام؛ بمعنى التوفيق بين المصالح المختلفة، وأحيانا المتناقضة بين الأفراد. هذا الاختلاف في المصالح، وبغض النظر عن تحديد مبرراته في هذا المستوى، يقود ضرورة إلى النزاع، نزاعا لا يتعلق بمصلحة شخصية وإنما باختلاف الأفراد في تحديد كيفية تنظيم الشأن العام وإدارته. إن هذا التحديد الأولي لدلالة السلطة هو الذي نقصده بمفهوم السلطة السياسية. يجب التنبيه في هذا المستوى أن الحديث لا يعود على دلالة السلطة بإطلاق وإنما فقط على دلالة السلطة السياسية. ذلك ، أنه لا يمكن اختزال دلالة السلطة في مجال السياسي حيث إن فهم حقيقة هذه الظاهرة الإنسانية يوجب حسب ما بينه فوكو الإقرار باتساعها لتشمل مختلف مجالات الوجود الإنساني وفي مختلف مستوياته.
بقدر ما تتعلق الممارسة السياسية الواقعية بالصراع على السلطة، والتحكم في أدوات الهيمنة التي تتيح الانفراد بتدبير الشأن العام، فإنه يجب أن ننتبه إلى ضرورة عدم الخلط بين مفهوم السلطة السياسية من جهة، ومفهوم السيادة من جهة ثانية. فالسيادة تمثل مبدأ الممارسة السياسية ذاتها من جهة الحق والمشروعية. وهي بذلك تتحدد باعتبارها الأساس الذي تقوم عليه ممارسة السلطة، وبعبارة أخرى فالسيادة هي المصدر الذي تستمد منه السلطة السياسية مشروعيتها. فالسيادة هي ما يمنح السلطة السياسية الحق في تنظيم وإدارة الشأن العام. أن نعين على هذا الأساس، الشعب كمصدر للسيادة، مثلا، لا يعني ضرورة أن الشعب هو الذي يمارس السلطة السياسية فعليا، وإنما فقط أن السلطة تمارس باسم الشعب، وهو واقع الحال في ضل النظام الديمقراطي. السيادة إذا هي الأساس والمصدر الذي يضفي على سلطة سياسية ما مشروعيتها.
السيادة تتحدد إذا باعتبارها الخاصية المميزة لكل سلطة سياسية، وهي ما يضفي المشروعية على هذه السلطة بحيث تكون سلطة الدولة هي تجسيد لسياستها. هذا الربط بين سلطة الدولة ومفهوم السيادة هو ما يجعل من سلطة الدولة سلطة عليا ومطلقة بحيث لا يتصور حدودا لسيادة الدولة ولا مبدأ أعلى من مبدأ سيادتها ذاته. أن تتمتع الدولة بالسيادة فإن ذلك يعني أن هذه السيادة هي منبع السلطات الأخرى. على هذا الأساس يكون للدولة الحق المطلق في تشريع القوانين وإنفاذها دون أن تكون، في ذلك، محتاجة للرجوع إلى مبدأ غير ذاتها، ولا إلى مشروعية غير مشروعيتها الخاصة. يحيل مفهوم السيادة بذلك على معاني الهيمنة والسلطة والتحكم التي يتقوم بها وجود الدولة في إطار حدود و مجال سلطتها الواقعي والقانوني. داخل مجال سلطة سيادة الدولة تكون الدولة هي المحتكرة لكل سلطة سواء تعلق الأمر بالتشريع القانوني أو بتنفيذ هذه القوانين.
إذا كانت السيادة تعني داخل حدود الدولة السلطة المطلقة والعليا فهي تفيد في إطار العلاقة بين الدول استقلالية الدولة عن كل سلطة خارجية، أي عن سلطة أي دولة أخرى. وبذلك فانه لا يمكن الحديث عن دولة دون توفرها عن سيادة تامة ومطلقة بما يجعلها قادرة على بسط سلطتها وممارسة هذه السلطة في استقلالية تامة عن تأثير أو مراقبة أي دولة أخرى. يحيل مفهوم السيادة في هذا السياق على مبدأ سيادة الأمة واستقلال إرادتها في مقابل سيادة بقية الدول الأخرى.
إن هذا التحديد الأولي لمفهوم السيادة من خلال ربطه باحتكار السلطة داخل حدود الدولة على أساس انفرادها بمشروعية تشريع القوانين وإنفاذها من جهة ، واستقلالها عن كل تأثير أو تدخل خارجي من جهة ثانية، أصبح اليوم، وفي ضل مظاهر العولمة الاقتصادية والسياسية خاصة يواجه تحديات حقيقية مع تشكل وتنامي ما أصبح يعرف بالقانون الدولي خاصة. إن سلطة الدولة وان بدت لا محدودة انطلاقا من مبدأ السيادة إلا أن الاتفاقات الدولية التي نشأ عنها القانون الدولي والمؤسسات الدولية الحقوقية جعلت من مفهوم السيادة الوطنية موضوع للمسائلة وإعادة التأسيس.

يستوجب هذا التحديد الأولي لمفهوم السيادة، بربطه بالمبدأ الذي يضفي على ممارسة السلطة من حيث التشريع والإنفاذ، مشروعية وقبولا، النظر في مقومات السيادة ذاتها من جهة التساؤل عن الأساس الذي يشكل السيادة ويجعل منها هذا المبدأ الأول للسلطة السياسية.
فبأي معنى تتحدد السيادة مصدرا للمشروعية ولمعقولية الممارسة السياسية أصلا؟ وضمن أية شروط ومقتضيات أخلاقية وواقعية يمكن للسيادة أن تكون ضامنا لتوفر شروط عيش مشترك يحقق كونية الوجود الإنساني؟

2/ السيادة ومأزق العنف

* السيادة والحاجة للعنف
يرتبط مفهوم السيادة، في حضارتنا المعاصرة، بالدولة تحديدا، إذ لا يمكن أن نربط أي وجود اجتماعي سياسيي بمبدأ السيادة، غير الحديث عن سيادة الدولة. تكون الدولة بهذا المعنى هي الجهة ، وبغض النظر عما إذا ما كانت تتحدد في شخص، أو في مؤسسة، أو في مجموعة مؤسسات منفصلة ومستقلة، ولكنها في نفس الوقت متكاملة، في احتكار فعاليتين رئيستين؛ تشريع القوانين المنظمة للشأن العام من جهة، وإنفاذ هذه القوانين ، من خلال آليات المراقبة والعقاب ، من جهة ثانية.
ترتبط الدولة، إذن بممارسة العنف ولكن العنف الذي تمارسه الدولة يضل عنفا شرعيا لا من جهة غاياته المتمثلة في ضرورته لتنظيم الشأن العام وإنما من جهة اعتباره شرعيا بالمعنى القانوني. إن عنف الدولة هو العنف الذي يبرره القانون ويفرضه. فالدولة هي الجهة التي تحتكر الحق في ممارسة العنف الشرعي حسب عبارة ماكس فيبر. هذا الربط بين الدولة والعنف يجعلها ليست غير تعبير عن علاقات الهيمنة السائدة داخل المجتمع.
يمثل العنف، كممارسة مبررة ومشروعة، الوجه الآخر للسيادة التي تؤسس لوجود الدولة، وما يجعل من ممارستها للسلطة أمرا واقعيا. حين نربط الدولة بالعنف فان المسالة لا تتعلق بشكل الدولة، باعتبار نظامها السياسي إذا ما كان مستبدا أو ديمقراطيا، وإنما بالدولة بإطلاق وبغض النظر عن هذه الفروقات. والعنف ذاته يمكن أن يتجلى ضمن وسائط متعددة سواء كان عنفا ماديا مباشرا يقوم على إلحاق الأذى المادي والمعنوي، أم كان عنفا رمزيا يقوم على توجيه الرأي العام على أساس المغالطة والتزييف والوهم. ولعل السمة البارزة لممارسة العنف اليوم تتمثل في شيوع آليات العنف الرمزي القائمة على التضليل من خلال الدور المؤثر الذي أصبحت تلعبه اليوم وسائل الإعلام بأصنافها المتعددة حتى صار هذا الشكل من أشكال العنف القائم على التضليل بمثابة العلم القائم بذاته.
يتخذ هذا العنف المنظم الذي تمارسه الدولة وجهين متمايزين ولكنهما متكاملين. فالدولة الحديثة في ممارستها لسلطتها وتثبيت هذه السلطة تستند على منظومتين من الأجهزة كما بين ذلك "ألتوسير" منظومة الجهاز القمعي وهي تتشكل من جملة مؤسسات الدولة القانونية والمتمثلة في الحكومة والإدارة وجهاز الشرطة والقضاء وهي كلها أدوات تعتمدها الدولة لتكريس ذاتها كسلطة تحتكر ممارسة العنف وتقمع كل من يحاول مشاركتها في التفرد في هذه الخاصية، أو عدم الاعتراف بسيادتها وحتى محاولة الخروج عن هذه السيادة.
غير أن الدولة الحديثة خاصة تعتمد منظومة ثانية من المؤسسات والأجهزة التي تمارس نوعا مغايرا من العنف هو العنف الرمزي. إن آليات العقاب وحتى المراقبة المباشرة لا يمكن لها أن تضمن استمرار سلطة الدولة واحترام سيادتها ما لم تعمد إلى تشكيل أو إعادة تشكيل وعي الأفراد على النحو الذي يجعلهم يقبلون بسلطة الدولة على أساس كونها تتوفر على السيادة. يتعلق الأمر في هذا المستوى بمفهوم الايدولوجيا كما صاغته "الفلسفة الماركسية". تتمثل الايدولوجيا في مجموع الأفكار والمعتقدات والمفاهيم التي تسعى الدولة(باعتبارها ممثلة لمصالح طبقة اجتماعية محددة) لجعلها تبدو في الأذهان بمثابة حقائق مقبولة لا يمكن التشكيك فيها أو الخروج عنها. تعتمد الدولة في تشكيلها لهذا الوعي الزائف على مجموعة من الأجهزة التي قد لا تبدو مرتبطة ضرورة بالدولة ذاتها كالمؤسسة الدينية والمدرسة ووسائل الإعلام والمنظمات والأحزاب.... على هذا الأساس تتحدد الايدولوجيا باعتبارها أقسى أشكال العنف نظرا لقدرتها الفائقة على المغالطة حين تتحول المراقبة إلى مراقبة ذاتية.
ليس العنف بالوسيلة أو الأداة الوحيدة التي تؤمن من خلالها الدولة سيادتها وتتيح لها إمكان ممارسة سلطتها غير أن العنف مع ذلك يبقى وسيلتها الخاصة.
بقدر ما يضل اعتماد العنف مبررا باعتباره أحد الشروط الرئيسية التي بمقتضاها يمكن ضمان أقصى ما يمكن من مستلزمات العيش المشترك، فإن ارتباط الممارسة السياسية بالعنف يضعنا في مواجهة جملة من الاحراجات. فممارسة العنف في ضل مطلب تثبيت وتكريس سيادة الدولة وأحقيتها بالانفراد بممارسة السلطة السياسية يمثل قطعا خطرا وتهديدا لمصير الأفراد الخاضعين لها، ذلك أن العنف هو عنف موجه بداية ضدهم، وبغض النظر عن مبرراته. وحتى في حالة القبول بربط سيادة الدولة بأحقيتها باستعمال العنف باعتباره عنف شرعيا فان السؤال عن حجم ومدى العنف المسموح به يضل قائما على نحو جدي.
حتما، إن كل عنف يمكن أن بصدر عن الأفراد بما يهدد العيش المشترك من الواجب مجابهته بعنف مضاد لردعه، غير أن السؤال عن حجم العنف المناسب في مقابل هذا العنف الأول يضل سؤالا وجيها. إن مجموعة من المشجعين لفريق كورة قدم حين يبادرون للعنف كتعبير عن عدم رضاهم على قرارات حكم مباراة هو فعل وان كان لا يهدد بجد العيش المشترك فانه يضل فعلا غير مقبول يجب مواجهته، إلا انه في هذه الحالة يستوجب الأمر أن نتساءل هل يجب إن نواجه هذا العنف بعنف مماثل في الدرجة؟ أم بكمية أكثر أو اقل؟
يحيلنا هذا التساؤل إلى إحراج حقيقي يتعلق لا بشرعية العنف وضرورته، إذ أن مبدأ السيادة ذاته يفترضه، وإنما إلى التساؤل عن حدوده ومداه. ذلك أن كل تعسف في استعمال القوة والعنف حتى وان كان في إطار قانوني بما يضفي عليه شرعية، يجعل من السيادة ذات طابع إطلاقي يربطها بالاستبداد، فينفي عن ممارسة السلطة المرتبطة بها كل مشروعية بافتقادها لمعيار الحق.
يحيلنا التحليل السابق إلى مفارقة أولى: إن ضمان العيش المشترك بما هو مطلب كل ممارسة سياسية ، وبما هو مبرر مبدأ السيادة ذاته يفترض العنف وسيلة وأداة، أ فليس من المفارقة إذن إن يكون شرط ضمان العيش المشترك بما هو قيمة أخلاقية عليا تؤسس للوجود الإنساني وتضفي عليه بعدا كونيا مشروطا باستعمال العنف والإرغام؟ أ لا يحيلنا الوجود السياسي للإنسان في نهاية الأمر إلى مفارقة، حسب صياغة بول ريكور، تتمثل في التقابل بين موقف الإنسان المبدئي الرافض للعنف أخلاقيا من جهة في حين أن وجوده السياسي مقترنا بالعنف؟
إن هذا المأزق بين تحديد لأفق الاجتماع الإنساني القائم على استهجان العنف من جهة وربط سيادة الدولة بممارسة العنف يضعنا في مواجهة مأزق نظري عملي في آن واحد يتعلق بالتساؤل عن مشروعية ربط مبدأ السيادة بالعنف.
فبأي معنى تمثل السيادة المطلقة والغير مقيدة، والقائمة على اعتماد العنف استبدادا يتنافى ومعيار الحق، وكونية الوجود الإنساني.

* السيادة والاستبداد
تحيلنا دلالة مفهوم سيادة الدولة في علاقة بمسالة العنف، حين نتناول السيادة بما هي سيادة داخلية، إلى مبدأ السيادة باعتبارها مطلقة وغير مقيدة بحيث تكون إرادتها فوق كل إرادة أخرى سواء تعلق الأمر بإرادة جهة معنوية أو بإرادة شخص مادي. بذلك تكون السيادة مصدرا لسلطة مطلقة بحيث لا تخضع هذه السلطة إلا لذاتها، وهو ما يفيد على صعيد الممارسة العملية أن هذه السيادة تحتكر على نحو كامل لا يقبل المشاركة التشريع للقوانين المنظمة للشأن العام كما إنفاذ هذه القوانين وفرض احترامها. وهو ما يعني أن السلطة التي تنبثق عن هذه السيادة هي سلطة مطلقة لا تقبل القسمة أو المشاركة.
إن هذا الربط بين السيادة والسلطة المطلقة التي لا تقبل القسمة أو المشاركة ينتهي بنا إلى مفهوم الاستبداد باعتباره شكل السلطة السياسية المنبثق عن سمات السيادة هذه. يتعين الاستبداد هنا بما هو الحكم الذي يقوم على التفرد بالسلطة بشكل مطلق ولا يقبل مشاركة من أي طرف آخر في إدارة الشأن العام على نحو قطعي.
لا يرتبط الاستبداد بشكل محدد للدولة ولشكل نظام الحكم فيها، فقد يتعين في صورة شخص يكون ملكا أو أميرا أو زعيما، ويمكن أن يتعين في نظام حكم ملكي أو جمهوري، ويمكن أن يستند لشخصية الزعيم الملهم أو الحزب الواحد، ولكننا في كل الحالات أمام أشكال وصور متعددة لوجه واحد هو وجه الاستبداد. غالبا ما لا يقدم المستبد نفسه على أساس كونه مستبدا وإنما يقوم بالتشريع لسلطته المطلقة من خلال مبررات ودعاوي أخلاقية تتعلق بتحقيق الأمن وخدمة المصلحة العامة وتوفر المستبد على خصال استثنائية وتحديد أولويات تنظيم الشأن العام ترتبط باختيارات تتقابل في إطارها مطالب التنمية والأمن الداخلي أو الخارجي مع مطالب الحرية.
بغض النظر عن تطور أشكال الاستبداد، وتنوع مبرراته، فان سمته الجوهرية تضل ذاتها إذ تتعلق بغياب فكرة المواطنة وتحديدا منع وإقصاء الأفراد عن المشاركة في إدارة الشأن العام سواء تعلق الأمر بتحديد الاختيارات العامة المنظمة للشأن العام أو التشريع للقوانين المنظمة للعيش المشترك.
أما السمة الثانية الجوهرية المتعلقة بكل نظام استبدادي فتتعين في غياب المراقبة إذ لا تخضع سلطة المستبد لأي شكل من إشكال المراقبة على ممارسته السلطوية تشريعا وإنفاذا باعتبارها سلطة أولى لا سلطة فوقها.
إن غياب مفهوم المواطنة وتغييب الأفراد من مجال المشاركة السياسية من جهة، وغياب جميع أشكال المراقبة عن سلطة المستبد بما يجعل منها سلطة غير مقيدة، ينزع عن هذا النمط من السلطة كل مشروعية، نظرا لافتقاد السيادة التي تتأسس عليها هذه السلطة لمشروعية الحق وتؤسسها على مشروعية القوة.
إن نظام حكم استبداديا يختزل السيادة في شخص الحاكم أو الحزب الواحد، ينتهي تهديدا لإمكان العيش المشترك بتهديده ونقضه لرهانات مطلب العيش المشترك. ليس العيش المشترك غاية في حد ذاته، وإنما هو المقتضى الذي يوفر شروط ارتقاء الوجود الإنساني إلى مستوى الوجود الكوني. تتمثل شروط هذا الارتقاء في احترام ايتيقا التعايش مع الآخر القائمة على الاعتراف المتبادل والتعاون والحوار وفق مقتضيات العقل، غير أن نظاما استبداديا حين ينزع إلى اعتماد العنف غاية ووسيلة وقمع الحرية والحق في الاختلاف واسترقاق المواطنين وحجب صفة النضج والعقل عنهم من خلال الحكم بعدم أهليتهم في المشاركة في تسيير الشأن العام إنما هو انحطاط بالوجود البشري إلى مستوى الوجود الحيواني القائم على توفير شروط ضمان البقاء المادية لا غير. كما دلت التجربة التاريخية أن كل نظام مستبد يضخم بشكل لا نهائي من سيادته مقابل شعبه إنما ينتهي إلى كوارث حقيقية ترتبط بمغامرات الحرب والعنف ضد الدول الأخرى وما ينتج عنه من دمار متبادل يعرض الوجود الإنساني إلى مخاطر الفناء المادي والفعلي.
إن ربط السيادة بالعنف والاستبداد، وبغض النظر عن كل مبررات هذا الربط يستوجب إعادة النظر في مفهوم السيادة ذاتها من جهة مراجعة حدود هذه السيادة، من خلال تعيين حدود ذاتية للسيادة تنبع من مقتضياتها وأسسها ذاتها. في هذا الإطار تتنزل محاولات عدد من المفكرين منذ بدايات العصر الحديث في محاولاتهم إعادة التفكير في حدود والتزامات السيادة.




3/ المواطنة بما هي حد للسيادة

أ/ التطور التاريخي للتأسيس لمفهوم السيادة

* السيادة بما هي فاعلية ونجاعة في إدارة الشأن العام: ماكيافلي

ارتبط التفكير في المسألة السياسية عامة، بالوجه الذي يسمح لنا بالحديث عن نشأة التفكير السياسي الحديث بظهور كتاب الأمير لميكيافلي. لقد مثلت أطروحة ميكيافلي في تشريحه لطبيعة الممارسة السياسية وغاياتها تحولا مفصليا داخل تاريخ التفكير في مسألة الدولة. يرتبط هذا التحول في القلب الذي أحدثه ميكيافلي في تحديد مقتضيات التفكير في الممارسة السياسية.، إذ لم يعد الأمر يتعلق بتحديد ما يجب أن يكون،( ما يجب أن تكون عليه شكل الدولة والعلاقات الإنسانية في إطار الممارسة السياسية) وإنما الانطلاق مما هو كائن، والتقيد في تحديد مقتضيات الوجود السياسي للإنسان بما هو كائن فعليا داخل الواقع الإنساني من ممارسات واقعية.
يمكن أن نحدد الانقلاب الذي أحدثه ماكيافلي في مقتضيات التفكير في المسألة السياسية في ثلاثة مراجعات أساسية
- البعد التاريخي : رغم أن ميكيافلي لم يعمد مطلقا إلى إنشاء نظرية في مسألة التاريخ، فان الوعي التاريخي كان حاضرا بقوة في تفكيره من خلال عودته الدائمة في سياق برهنته على موقفه من الممارسة السياسية إلى وقائع التاريخ واستنطاقها ومحاولة بناء أحكامه من الاستنتاجات التي يحيل عليها الحدث التاريخي، فالتاريخ هو مصدر للحكم القاطع. تبين لنا وقائع التاريخ انبناء العلاقات الإنسانية على العنف والصراع وهو ما يستوجب قيام سلطة قوية بمقدورها في آن واحد أن تضمن الأمن الداخلي وأن تصد كل عدوان خارجي.
- الدين والسياسة: يمكن اعتبار ميكيافلي أول المفكرين الذين أسسوا للائيكية والدعوة للفصل بين الدين والسياسة من خلال رفضه للتأسيس للسيادة انطلاقا من مرجعية دينية تربط الممارسة السياسية بالمشروعية الدينية. إن مشروعية السيادة لا يمكن إرجاعها إلى إرادة الاهية متعالية. يعود رفض ماكيافلي للربط بين الدولة والدين لرفضه بداية للمنزلة الثانوية التي وضع فيها التفكير الكنسي المسألة السياسية. إن الدولة لا يمكن بالنسبة للتفكير اللاهوتي ّأن تكون غاية في حد ذاتها وإنما هي مجرد أداة تتقوم بمدى مساهمتها في تحقيق مطلب الخلاص كعقيدة دينية مسيحية.
- الدين والأخلاق: يتعلق الانقلاب، إذا في تجاوز النظر المعياري الذي يربط الممارسة السياسية بمطلب الغايات المرتبط بقيم الخير، وبالتالي التأسيس لأشكال من الانتظام السياسي تراعي إمكان تحقق هذه الغايات، كما هو الحال في بناء أفلاطون للجمهورية، أو تأسيس الفارابي للمدينة الفاضلة، إلى استعادة النظر في المسألة السياسية من واقع حال الوجود الإنساني بغض النظر عن معيارية هذا الواقع. على أساس هذا التحول في تحديد أوليات التفكير في المسألة السياسية تتحدد أصالة ماكيافلي. إن كل تفكير في مسألة الدولة لا يرتبط بالنظر في الممارسة الفعلية والواقعية لا يمكن أن يقول لنا، حسب ماكيافلي، لا حقيقة الدولة ولا شروط بنائها.
إذا كان الأمير لا يكتسب الشرعية لا من الدين ولا من الأخلاق فما هو أساس السيادة التي يمارس انطلاقا منها السلطة إذن؟

ليس للسيادة، وفق ميكيافلي، من مصدر وأصل غير الأمير ذاته. إن سلطة الأمير تجد مشروعيتها في السيادة التي ترتبط بشخص الأمير تحديدا. يجد هذا الربط بين السيادة والأمير مشروعيته من نظرة واقعية للممارسة السياسية؛ ذلك أن نجاح الأمير في افتكاك السلطة واستحواذه عليها تمنح لسلطته مشروعية كاملة. غير أن سيادة الأمير لا يمكن أن تكتسب هذه المشروعية المطلقة إلا بشرط قدرته على الاحتفاظ بهذه السلطة. إن السيادة إذا ليست بالواقعة الأولى المنجزة بشكل أولي، وإنما السيادة تتكون تدريجا في تساوق مع نجاح الأمير في فرض هيمنته وسلطته. يتعلق الأمر بالنجاعة في تحديد مشروعية السيادة؛ نجاعة ترتبط بنجاح الأمير في فرض سلطته بمختلف الوسائل التي يمكن أن تحقق هذه الغاية بغض النظر عن قيمتها الأخلاقية. إن الأمير وفي استعارة بلاغية يجتمع فيه في نفس الوقت دهاء الثعلب وبطش الأسد.
إن هذا التحديد للسيادة بربطها بمنطق النجاعة والتشريع لاستعمال العنف من اجل تثبيت سلطة الأمير لا يجاوز بنا مأزق العنف الذي ينتهي إليه كل نظام حكم استبدادي وبذلك لا يمكن في نهاية الأمر أن القراءة المتسرعة للتاريخ والواقع الفعلي للممارسة السياسية كما استقرائها ميكيافلي يمكن أن تعين لنا حدودا حقيقية للسيادة تخرج بنا من مجال العنف المتناقض ضرورة مع مطلب الكوني كأفق للعيش المشترك.


* من السيادة المشخصة إلى السيادة المجردة: يودون


تمثل لحظة يودون لحظة أساسية في مسار تطور مفهوم السيادة من خلال فصله بين السيادة وشخص الأمير أو الملك. لقد طور يودون في كتبه الستة المعنونة ب"الجمهورية" نظرية في السيادة تقطع مع التصورات السابقة، والتي لم ينجح حتى ميكيافلي في تجاوزها، القائمة على أساس أن الملك يتضمن في شخصه مبدأ السيادة التي تضفي مشروعية على سلطته. فالملك هو السيادة ذاتها بفعل التفويض الإلهي الذي يتوفر عليه فيمنح لحكمه مشروعية مطلقة. حتما إن يودون لم يجاوز أفق التفكير اللاهوتي في السياسة حين يربط في نهاية الأمر بين السيادة وضرورة احترام الحق الطبيعي الذي سنه الإله ، لكنه مع ذلك يخطو بالتفكير الفلسفي في السيادة خطوة هامة إلى الأمام، حين يثبت أن السيادة هي فكرة مجردة تتعلق بمعاني الحق والسلطة المطلقة الغير قابلة للقسمة أو المشاركة، ولا تتعين مطلقا في شخص الحاكم. يعود رفض يودون للربط بين السيادة وشخص الملك إلى الاحتراز من تحلل السيادة وانتفائها بغياب الملك بفعل الموت. فالسيادة يجب أن تضل فكرة بما يجعل من استمرار الجمهورية ممكنا.
تتحدد فكرة السيادة في إطار معاني الإطلاق وعدم القابلية للمشاركة أو القسمة فالسيادة ليس لها حد غير التطابق مع القانون الطبيعي الذي هو من وضع الإله، وبذلك تصبح السيادة وأفعال السلطة المنجرة عنها قابلة للعقلنة وليست أفعالا اعتباطية لا يحكمها سبب أو مبرر يمكن من تعقلها. أن تتحدد السيادة بالإطلاق وعدم القابلية للقسمة أو المشاركة ينتهي إلى التأسيس لنظام حكم مطلق واستبدادي إذ لا يمكن للسيادة بما هي مبدأ اعلي أن تعود إلى ما هو في وضعية ادني أي الشعب. إن السلوك الوحيد المقبول من الشعب هو الخضوع والطاعة العمياء، وهو ما يشرع لنظام استبدادي لا يمكن قبول مبادئه بما هي مبادئ، وفق فلاسفة العقد الاجتماعي، تتناقض ومبدأ الحق.

ب/ السيادة بما هي مواطنة

إن جميع أشكال الاستبداد تجد أساسها في فهم محدد لدلالة السيادة يتقوم باعتبارها مطلقة لا تقبل القسمة ولا المشاركة، وبالتالي فان من يمتلك السيادة يمتلك سلطة مطلقة، غير مقيدة وغير محدودة. سواء تعلق الأمر بشواهد التاريخ، وارتباط الحروب والنزاعات بالأنظمة الاستبدادية، أو عودة على قيم العقل الإنساني المطلقة والخالدة المتمثلة في الحق والخير فإننا نجد أنفسنا مجبرين على إعادة التفكير في مفهوم السيادة من جهة التضنن على تعريفها الملتبس الذي يتصورها مطلقة لا حد لها. إن النجاعة مع ميكيافلي، أو صفتها المجردة والمتعالية مع يودون لا يمكن أن تمثل حدودا حقيقية للسيادة تنهي مأزق العنف وجميع مظاهر الاغتراب المرتبطة بأنظمة الحكم المستبدة الناتجة عن التحديد المطلق لمفهوم السيادة.
نشأ الفكر السياسي الحديث على أساس مراجعة مفهوم السيادة من جهة تحديدها وتقييدها ذاتيا بمعنى أن تجاوز جميع أشكال الاستبداد يستوجب تقييد السيادة ذاتها من داخلها من جهة ضبط أسسها بشكل يجعل من السلطة المنبثقة عنها سلطة مقيدة بمقتضيات السيادة ذاتها. إن لحظة القطع الحقيقية التي أذنت بميلاد التفكير الفلسفي الحديث في الدولة ارتبط بمرجعية فلسفية وقانونية أصطلح على تسميتها بفلسفة "العقد الاجتماعي".
تحيلنا فلسفة "العقد الاجتماعي" على جملة من الفلاسفة أهمهم جون لوك وروسو وسبينوزا وهوبس. رغم أهمية الاختلافات في مواقف هؤلاء الفلاسفة، والى حد التناقض أحيانا، فان ذلك لا ينفي تقاطعهم حول فكرة رئيسية مثلت أساسا لنشأة الدولة في صيغتها وشكلها المعاصر. يتجلى هذا التقاطع بين هؤلاء الفلاسفة في مبدأين أساسيين:
- ربط التفكير في الدولة بدراسة الطبيعة الإنسانية وضعيا، بحيث تكون نشأة الدولة ناتجة عن خصوصية الطبيعة الإنسانية ذاتها. إن هذه العودة لدراسة الطبيعة الإنسانية في تحديد أسس الدولة مثل قطعا مطلقا مع التفكير اللاهوتي الذي كان يربط التفكير في الدولة بحقائق دينية.
- اعتبار الدولة اصطناعا وإنشاء إنسانيا فهي قد نشأت بإرادة وفعل الإنسان، هذه الإرادة التي تجلت في العقد الاجتماعي، بما هو عقد إرادي واختياري.
يعود أمر تأسيس السيادة، إذا، إلى مقتضيات العقد ذاته من جهة تحديد ضرورته وإطرافه وغايته. على هذا الأساس تضحى السيادة مقيدة من داخلها أـي انطلاقا من خصوصية العقد الاجتماعي الذي أنشأها.



* السيادة ومطلب الأمن: هوبز